ربما كان الجانب الإيجابى فى لائحة الجزاءات التى أصدرها المجلس الأعلى للإعلام برئاسة مكرم محمد أحمد مؤخرا هو أنه أصبح هناك نص للجزاءات على أرض الواقع بعد شهور طويلة من الانتظار يوقعها المجلس على الوسائل الإعلامية المخالفة!
ولكن بالتأكيد فإن هذه اللائحة بمثابة مسمار فى نعش الصحافة والإعلام على السواء بسبب أن هذه الجزاءات بعد عرضها على مجلس الدولة لا تصب – برأيي- فى مصلحة الصحفيين والإعلاميين الممارسين بأى حال من الأحوال ناهيك عن التجاهل التام لأعضاء مجلس الصحفيين والإعلاميين وهما الجهتان المختصتان بهذا الأمر عند وضع لائحة الجزاءات على المخالفين من أعضاء النقابتين وغيرهم! فالجزاءات التى قدمها المجلس الأعلى للإعلام بعد مراجعتها من مجلس الدولة تتجاهل مطالب مجلس نقابة الصحفيين، والمقترحات المقدمة له بمذكرة موقعة من ٤٠٠ صحفى وصحفية، مشتغلين بالنقابة، بل يصدر لائحة الجزاءات الكارثية بكل المقاييس، وهى التى اعترض عليها عدد كبير من أعضاء النقابة وطالبوا بتعديلها حتى لا تمثل إشكالية كبيرة تعوق عمل الصحفى والإعلامى فى أداء مهامه الصحفية والإعلامية، وتمثل من جانب آخر مسمارا حادا فى نعش مهنة الإعلام والصحافة على السواء!.
علاوة على أن اللائحة يشوبها التناقض الواضح مع اختصاصات نقابة الإعلاميين ودورها المنصوص عليه فى القانون ٩٣ لسنة ٢٠١٦ والقانون ١٨٠ لسنة ٢٠١٨ لتنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام! عندما منح المجلس الأعلى لنفسه حق الإيقاف الوقائى لأعضاء نقابة الصحفيين والاعلاميين!.
ولكن اللائحة يجوز الطعن فيها مهنيا ودستوريا لأنها تخالف بعض المواد فيه مثل ٢١٣ و٧٧ و٧١ وغيرها! ومن بين المواد المادة ٣ ونصها: «يعاقب كل من نشر أو بث شائعات، أو أخبارا مجهولة المصدر، أو نقل عن مصادر إعلامية أخرى، أو استخدم السوشيال ميديا كمصدر للمعلومات دون التحقق من صحتها من مصادرها الأصلية، أو حال عدم احترام الرأى الآخر من حيث التوازن، بأحد الجزاءات الآتية أو أكثر حسب الأحوال، «ومن الجزاءات منع نشر أو بث أو حجب الصفحة أو الباب أو البرنامج أو الموقع الإلكترونى لفترة محددة وحجب المواقع الإلكترونية الشخصية التى يزيد عدد متابعيها على ٥ آلاف متابع لفترة محددة أو دائمة، وهذا من رأيى يعد تعسفا عندما يمنح المجلس نفسا وليا ورقيبا على الحسابات الشخصية ومواقع الفيس بوك وغيرها وما يمثله من اختراق وعدوان على الحياة الخاصة للأفراد بينما دوره يختص بوسائل الإعلام الجماهيرية فقط كما فى المادة ٢١٣ من الدستور، وهو ما يمثل تعسفا ضد الصحفيين الممارسين فى ظل عدم إقرار قانون تداول المعلومات الذى ينادى به الصحفيون منذ سنوات من أجل توفير المعلومات أمام الصحفيين وعدم لجوئهم إلى تجهيل مصادر الأخبار ونشر أخبار غير مؤكدة نتيجة عدم إتاحة المعلومات بين أيديهم!
كما توقع غرامة لا تقل عن ٢٥٠ ألف جنيه، ولا تزيد على ٥٠٠ ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين، عندما يتسبب ما تم نشره فى حدوث أضرار اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية!
وهذه المادة اختلف معها إذا لم يتم نشر التصحيح فورا كما أن الغرامة كبيرة جدا لا تتفق مع دخول وإمكانيات الصحفيين والمؤسسات الصحفية التى تئن الآن من عدم وجود المال والإعلانات والتوزيع، الأمر الذى ربما يعرض صحفيين كثيرين إلى السجن فى حال فشله فى تسديد الغرامة المقررة! ثم من يقيس الأضرار الاجتماعية والأضرار الاقتصادية؟ وما هو مفهوم هذا وتلك؟ مع فهمنا وتقديرنا للأضرار الأمنية فى ظل محاربة الدولة للارهاب!
واستخدمت اللائحة عبارات مطاطة وغير واضحة أو مبهمة مثل ألفاظ «تؤذى مشاعر الجمهور»، وفرض عقوبات ربما غير مطبقة فى أى نص مشابه فى بلاد العالم الآخر!.
وفى المادة ١٦ ونصها: «يجوز للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، منع ظهور الصحفى أو الإعلامى أو أحد الضيوف أو شخص ما لفترة محددة، حال مخالفة المعايير الإعلامية أو الأكواد الإعلامية، أو ارتكاب مخالفة قد تشكل جريمة جنائية». وهذا يمثل عدوانا من قبل المجلس ومصادرة لحق الأشخاص فى التعبير عن آرائهم، وهو ما يمثل تعديًا وتدخلًا فى اختصاصات النقابات المهنية وأيضا تضاربًا مع فقرة الإحالة للنقابات المختصة!!
وأعطى السلطة للمجلس لعدم ظهور شخصيات صحفية أو غير صحفية ارتكبت أفعالا من وجهة نظر المجلس مخالفة! وفى المادة ٣٠ ونصها: «تؤخذ الجزاءات الموقعة على الوسيلة الإعلامية فى الاعتبار عند النظر فى تجديد الترخيص، ويجوز للمجلس اتخاذ ما يراه مناسبًا من قرارات وفقًا للقانون».! كما أن القانون رقم ١٨٠ لسنة ٢٠١٨ أعطى حق معاقبة وتأديب الصحفى أو الإعلامى إلى نقابته المختصة بعد اتخاذ الإجراءات القانونية مع ضمان كافة حقوقه القانونية المنصوص عليها بقانون نقابته! وهو ما يمثل تناقضا بين اللائحة وبين ما هو موجود فعلا فى القانون السابق الذكر.! وهو ما يعنى غلق وسائل الإعلام!.