مررت أنا وأسرتى بمشهدين خلال الأسبوع المنقضي، أقل شىء يمكن أن نصف به هذين المشهدين هو «الكوميديا السوداء».
المشهد الأول جاء مع إصرار أولادى على مشاهدة فيلم «نادى الرجال السري» قبل أن يتم رفعه من دور العرض السينمائى، تمهيدًا لطرح أفلام جديدة، ذهبت أنا وأسرتى لمشاهدة الفيلم بإحدى السينمات، وبالطبع تم استثناء أولادى التوءم «أندرو وساندرا»، نظرًا لأنهما فى الثانوية العامة هذا العام، وفقط ذهبت بصحبة زوجتى وأولادى «يوسف ومينا»، وكم كان قاسيًا على توءم الثانوية العامة أن يتم استبعادهما من هذه «الفسحة» التى يرتقبانها بين الحين والحين.
وداخل قاعة السينما فوجئت بأننى وأسرتى فقط وباقى الكراسى فارغة تمامًا، هذا الأمر أحزننى كثيرًا بالرغم من أن الفيلم كان قد حقق إيرادات عالية، وتصدر شباك إيرادات موسم نصف السنة، كما أن معظم الأسر المصرية انشغلت تمامًا بالمدارس، وبخاصة مع اقتراب امتحانات آخر العام، ولكن تابعت الفيلم واستمتعت مع أولادى بهذه الصناعة الرائعة التى تعد أكثر وسيلة ترفيهية متاحة للأسرة المصرية البسيطة.
أما المشهد الثانى فكان أمس، حينما طلبت منى ابنتى «ساندرا» أن أقوم بتوصيلها إلى نفس السينما، وبالطبع رفضت ومنحتها درسًا قاسيًا فى ضرورة أن تحرم نفسها من الذهاب للسينما حتى تتفرغ تمامًا للثانوية العامة، فضحكت وأبلغتنى أنها بالفعل سوف تذهب لحضور محاضرة «جغرافيا» مهمة فى السينما، وأخبرتنى أيضًا أن مدرس المادة غالبًا ما يقوم بتنظيم مجموعة محاضرات لمراجعة المنهج داخل إحدى السينمات، وذلك بسبب الكم الكبير من الطلبة الذى يتعدى ألف طالب فى المحاضرة الواحدة، وبعد أن فهمت الأمر رضخت للواقع المرير الذى تعيشه الأسرة المصرية، وهى الدروس الخصوصية التى لا يستطيع طالب الثانوية العامة الاستغناء عنها، وذهبت مع ابنتى لأجد بالفعل دار العرض السينمائى وقد تحولت إلى «سنتر دروس خصوصية»، والقاعة التى كانت تعرض فيلم «نادى الرجال السري»، أصبحت تعرض محاضرة مراجعة مادة الجغرافيا.
وبحسبة بسيطة وأنا أنتظر ابنتى بالخارج، اكتشفت أن إيراد مدرس مادة الجغرافيا فى تلك المحاضرة سوف يتعدى مائة ألف جنيه، وأنه يقوم على الأقل بعمل عشر محاضرات مراجعة لباقى الطلبة، وبالتالى سيصل الإيراد إلى حوالى مليون جنيه، واكتشفت أن هذا الإيراد يتفوق بكل المقاييس عن إيراد الفيلم السينمائي، إذا ما حسبنا إيرادات باقى المواد.
تلك المحاضرات التى تتبع سناتر المدرسين، من المؤكد أنها بعيدة عن أعين وزارة التربية والتعليم، وللأسف الشديد أصبحت الأسرة المصرية مجبرة على التعامل مع هذه الإشكالية الصعبة وكأنها أمر واقع، بسبب غياب مدرس الفصل، وبخاصة فى السنة الأخيرة من الثانوية العامة، وانتشار السناتر فى كل شارع وكل حارة، ولكن ما أدهشنى هو وصول هذه السناتر إلى قاعات السينما، ليتحول فيلم «نادى الرجال السري» إلى فيلم آخر أكثر ربحًا تحت عنوان «نادى المدرسين السري».