قبل حلول عيد الأم ظللت ليومين ماضيين أعانى أشد الألم اقتراب موعد الاحتفال بعيد الأم لهذا العام؛ فبعد أن كتبت العام الماضى مقالى بعنوان «عيد أم بدون ابن».
لم أتجرأ هذا العام أن أكتب شيئا، وتركت قلمى جانبا لتصاحبنى الدموع والأوجاع للعام الثانى على التوالى بعد فقدان ابنى البكر أنطون، الذى كان سيكمل عامه الثامن عشر بعد أقل من شهرين، ولكن لأن الله اختاره أن يسكن بجواره، وأن يتنعم بعالم لا يزول، وحسب ما تؤكده جميع الأديان أن هذا المكان هرب منه الحزن والكآبة، حتى أن أوجاعنا لا تصل إليهم بل أفراحنا فقط.
وجدت نفسى هذا العام وبعد أن صادقتنى الكآبة، وكنت على حافة الاكتئاب أجلس فى الساعات السابقة ليوم عيد الأم، وأنا فى جلسة قد يبدو عليها العتاب، ولكن فى الواقع جلست أناجى ربى أن يرفع عنى هذا الألم الذي تشعر به الأم دون ابن فى هذا الوقت.
وظلت تلك الجلسة لساعات وأنا أناجى ربى أن يرفع عنى هذا الحزن، وبعدها شعرت بابنى يدنو منى قليلا قليلا، ولم أفاجأ بوجوده حولى وكأنه لم يغب عنى لحظة واحدة ولا طرفة عين.
وجدت نفسى أقترب منه رويدا رويدا أضمه إلى صدرى لا أعرف سببا لتلك الوحشة، شعرت بأحاسيس جميلة لا أستطيع التعبير عنها، لم أتركه ثانية إلى أن نظرت إلى الضوء الصادر خلف زجاج الشباك، وهنا نظرت هنا وهناك أبحث عن من كانت تحلو لى الدنيا معه؛ فلم أجده، وهنا عرفت أنى كنت مستغرقة فى حلم قصير، بالرغم من الفرحة الكبيرة التى شعرتها خلاله.
ومع الساعات الأولى من يوم عيد الأم، شعرت بأنى فرحة، بالرغم من القلق الذى كنت أحسب له سابقا، ولكن هذا الحلم القصير جعلنى سعيدة.
وقررت وقتها أن أذهب إلى الكنيسة لحضور القداس الإلهى، وبعد أن قمت بإيصال أولادى إلى المدرسة عدت مسرعة إلى الكنيسة، وعلى بابها قابلت الحارس وسألته عن موعد القداس، وهنا صدمنى برده أن اليوم الخميس، وأول قداس سيكون عند الثانية عشرة ظهرا، فحاولات أن أذكره بأنه ربما يكون هناك قداس فى وقت مبكر، ولم يخبره أحد عن موعده.
فأجابنى بكل تأكيد أن القداس المبكر الوحيد يكون يوم الأربعاء فقط من كل أسبوع، فلملمت نفسى وقررت أن أدخل إلى مبنى الكنيسة للصلاة، وأعيد على العظيمة العذراء مريم في عيد الأم.
وظللت أصلى وأقول لها إنى أنا من الأرض، هنا أرسل لك المعايدة، وابنى بجوارك يعيد معك، وكتبتِ كلماته لعلها تصل إليها.
وأنا فى طريقى للخروج والذهاب إلى البيت لا أعلم لماذا، قررت أن أذهب للمبنى الآخر التابع للكنيسة، والذى يقع على الجانب الآخر من الشارع، لعله يوجد هناك قداس، ولكن كانت المفاجأأأأأأة.
لقد كانت مظلمة ولا يوجد فيها أى أضواء، وخرجت وأنا حزينة، وقررت أن أعود إلى بيتى، وخطوة تلتها خطوة وجدت نفسى أقترب من الشارع واستوقفنا صوت ينادى على.. يا سيدتى، هناك قداس فى الدور السابع أسرعى حتى تلحقى به.
نظرت إليه نظرة سريعة يملؤها التعجب، ولكنها لم تطل وكأننى للمرة الأولى أدخل هذا المكان، وكل ما هممت به من كلمات أين السلم؟ فدلنى على الطريق، وذهبت مسرعة لألحق بصلاة القداس، وفرحت جدا، ووجدت العديد من الرسائل الإلهية لى.
وانتهى القداس، ونزلت مسرعة، وكان همى أن أعرف منه: لماذا عاد وطلب منى أن أسرع لحضور الصلاة، ومن قال لك إنى أريد أن أحضر الصلاة، ووجدته يجيبنى لا أعلم، لماذا قمت بمنادتك، وهذه هى المرة الأولى فى حياتى أن أقوم بمناداة أحد، ولكنى وجدت صوتا بداخلى يقول لى: بسرعة.. بسرعة.. قام بمناداتها.
لم أساله عن أى شىء آخر أو أرد عليه بشىء سوى ابتسامة بدموع.
حقا إن الله لا يتركنا أبدا، وبالرغم من اختلاف ديانتنا، لكن الله يرسل لنا تعزياته، والمقصود بتلك التعزيات هى الأمور التى تهدئ من لوعة الشعور بالألم، وعلينا ألا نرفض تلك التعزيات التى تأتى لنا التي قد تكون في صوت آذان "الله أكبر" أو جرس الكنيسة.
فالله يرسلها لكل واحد حسب تقبله للأمر واحتماله لتلك التجربة، وتلك التعزية هى مساعدة لعبور الآلام، وتقبل التجربة التى تصيبنا، وتلك هى تجربة شخصية لكن الكثير منا يعيشها بشكل قد يكون مختلفا أو تجربة مختلفة، ولكن فى النهاية الألم واحد، ولكن بما أن الأديان تؤكد أن «المؤمن مصاب»، فالله يرسل لنا التعزيات، وكل شخص منا يطلب تعزياته إلى الله «فالالتجاء والاحتماء بالله خير من الالتجاء إلى البشر».