الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

د. نور الشريف.. شكسبير العرب.. ورسالة الغفران!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى التاريخ العلمى للجامعات أسماء لامعة للمرأة المصرية دخلت مرتبة الرواد، فعندما نذكر أسماءهن تنحنى أمامها الرؤوس إجلالًا لمكانتهن ولا توجد مكتبة إلا وتوسطت هذه الأسماء كوكبة من إنتاجاتها العلمية.
هذا العام فى احتفالات معرض الكتاب الدولى تميز بأن تكون كوكب المناسبة تلميذة عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين.. أشعت بضوئها وفكرها ومنهجها الدكتورة سهير القلماوي.. وعلى ساحة اللغة العربية بنت الشاطئ الدكتورة عائشة عبدالرحمن والوزيرة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة.. قامت بدورها فى المناسبة التى تزامنت بعد أسابيع مع يوم المرأة المصرية وكنت أتصور من الدكتورة مايا مرسى رئيس المجلس القومى للمرأة أن المجلس أقلع فى هذه المناسبة عن مظاهر الاحتفاليات البرتوكولية والمناسبة مازالت على الساحة ربما يخيب ظنى وتنطلق باقى فاعليات المناسبة بعيدا عن الكلاسيكيات وآلية إيقاع الأحداث.
وفى كل شهر مارس يرصد مجموعة من المستنيرين أسماء الذين حققوا أشواطًا على مسيرة المرأة ومع لم يصبهم الدور فى تقديم واجب العرفان من المجتمع نحو هذه النماذج المشرفة.. وأصبحت الرموز رغم عزوفهن عن الأضواء خالدات، وأمامى مثل الباحثة التى رحلت منذ شهور فى صمت وهى أولى تلميذات الدكتور على مشرفة وزميلة الدكتور مصطفى كمال حلمى وتخرج فى مدرستها فى الكيمياء علماء بمقدمتهم الدكتور أحمد زويل ونفس الدفعة تخرج فيها الدكتور كمال قنديل العميد الأسبق لعلوم الإسكندرية، هذا النموذج العالمى المشرف هو الدكتورة تهانى سالم التى حفرت بكل الإصرار صفحات مجدها العلمي، ومازالت مؤلفاتها ونظريتها تدرس فى الجامعات، فهى لم تفارق البالطو الأبيض متحدية الزمن وأى ظروف، لدرجة أنها كانت تحرص قبل أيام من رحيلها على أن تعقد لقاء أسريا مع تلاميذها بنادى أعضاء هيئة التدريس، ونعتبر هذه الجلسات مداولة علمية واستمرارًا لرسالتها، والغريب أن منظمى نوبل كانوا حريصين على وجودها لحضور احتفالاتها مع علماء العالم ورغم هذا العطاء لم يلفت نظر المسئولين عن شئون المرأة فى مصر اختيارها نموذجًا للأجيال ولا أذيع سرًا أن الدكتور مصطفى كمال بما كان يتسلح به من رزانة أزعجه عدم تكريم الدكتورة تهانى سالم، فقرر أن يتدخل علميًا بحكم مكانته لتكريمها، إلا أنها رفضت لأن هذا الأمر فى قناعتها مسألة مبدأ.
وفى مارس شهر المرأة المصرية.. هناك سيدة سقطت سهوًا من الذاكرة.. إنها الدكتورة نور الشريف أستاذة اللغة الإنجليزية أو عميدة الأدب الإنجليزى فهى أول مصرية شاركت فى تأسيس قسم اللغة الإنجليزية بكلية آداب جامعة الإسكندرية وصاحبة أكبر مدرسة على مستوى الجامعات العربية وهى رمز لهذا القسم المقابل بجامعة القاهرة وتتساوى فى المكانة مع أستاذ الأساتذة الدكتور رشاد رشدي.. وأعطت للقسم كل الطاقة ومنحته الخصوصية لدرجة أنهم كانوا يعتبرونه جزءا من أرقى الأقسام الإنجليزية.. وإرساء معانى التقاليد يجب أن يكون راسخا داخل القسم ويقولون إنها تفرض أسلوب التخاطب داخل القسم، لدرجة أنها طبقت على الجميع سواء كان عميدًا أو زائرًا أو أستاذًا، حيث اعتبرت عدم الحديث باللغة الإنجليزية بالقسم جريمة علمية، لدرجة أنها فرضت الالتزام على (فراشى القسم) أهلتهم لكى لا يتحدثوا إلا بها وصممت لهم الزى الخاص بالقسم.
استطاعت أن تتوج لقب شكسبير العرب وحارسته على التراث الإنسانى بكل فروعه لتأهيل أبناء مصر، ليصبحوا رسل حضارة راقية ومن تلاميذها الكاتب الكبير الراحل محسن محمد والإعلامية هند أبوالسعود والفنان سمير صبرى والدكتورة إنعام الدفراوى، فهى التى أطلق عليها الدكتور حسين كامل بهاء الدين، وزير التعليم لقب (ضمير أبله حكمت).
نور الشريف هى أسطورة استطاعت بقدرتها أن تتحول لمخزون بشرى للفكر والثقافة وبكل الثقة وصلت للعالمية بل ينسب إليها أوراق علمية ومشاركتها فى منح درجة الدكتوراة لأبناء إنجلترا.. وقيل عنها إنها هى (اليونسكو الإنجليزية).
قيمتها الفكرية والمنهجية أنها أضافت إلى اللغة الإنجليزية وساهمت فى إعداد دراسات فى الأدب الإنجليزى ولعبت دورًا فى مسيرة التحديث اللغوى بما يرسخ مكانتها على قمة اللجان العلمية فى إنجلترا.
أطلق عليها معظم الأساتذة الذين تحدثوا عنها أن هذه القيمة العلمية استطاعت بأبحاثها التذكارية أن تكون نجمًا وعنوانا لتطوير الفكر اللغوي، ودرست هاملت وعطيل والملك لير وكل الشخصيات غير المشهورة لكى تعيد اكتشافها والقيام بفتح الكتب وأسلوب التجديد فى الصياغة، وقد أعطت من وقتها لتلاميذها منهجا متجددا لمسرحيات شكسبير التى تتساوى مع تاجر البندقية، ولم تدرس علومها فى المدرجات، لكنها اتجهت إلى الريف الإنجليزى لمعرفة طبيعة التركيب والتكوين اللغوى للهجة أهلها.. ومع أوائل القرن العشرين ظهرت معالم الفنون وامتزاجها بالعالم العربى وتكون المؤسس لمدرسة النقد والحركات التاريخية والحركة الجديدة للمرأة والدراسات المقارنة فى الساحات الأفريقية والأمريكية والدراسات الغربية.
والحديث عن الدكتورة نور الشريف فى عام المرأة يوضح لنا مدى ما أحدثته هذه الأستاذة العظيمة فى منهج اللغة الإنجليزية بل وقدرتها على اكتشاف مصطلحات جديدة وساهمت بكل الإخلاص فى ثورة التجديد والتحديث فى هذه اللغة وهى أول مصرية اعترفت بها مراكز الدراسات الإنجليزية ولها مقعد دائم فى صدارة علماء هذه اللغة إذا كان ما يشبه عندنا (مجمع الخالدين) فى اللغة العربية، ومع ذلك ما زالت تحتفظ بالموروث الثقافى وجوهره واستطاعت أن تواجه تحديات العصر بتعزيز قيم الهوية والمقومات الاجتماعية واستطاعت أن تكون جسر التواصل الفعلى بين الثقافة الإنجليزية والعربية، حيث يتم التواصل بين ما هو جديد.. فهى الدراسة وإن كانت الرسالة من (الأدب التخيلي) ولا أعلم أن جامعة الإسكندرية قد رشحتها أمام هذا السجل الأسطورى لنيل أرفع جوائز الدولة فى العلوم الإنسانية ولا أعلم أن هيئة علمية اختارتها كنموذج أمام الأجيال المصرية.. فقد شبعت تكريمًا من جامعات العالم وكما كنا نقول إن الكابتن صالح سليم له مقوله كرؤية أن الدولاب ملىء بالكئووس واستكمل بمقولة تربوية قائلًا المهم تقاليد النادي.. وهذه العبارة تنطبق تمامًا على تجاهل المنظمات الجماهيرية فى يوم المرأة اسم هذه الأستاذة التى أشاد بها العالم ماعدا بلادها.
لقد دفعت هذه السيدة كثيرًا من أجل تحقيق هذه المكانة ورغم عزلتها إنسانيًا لم تعتزل أكاديميًا وبقول ربما تكون قد كان هذا على حساب حياتها كإنسانه وامرأة لكن كل هذه المعاناة تهون أمام إصرارها على مواصلة رحلة البحث والعطاء.. فهى صاحبة أكبر مدرسة للغة الإنجليزية فى العالم العربى وأفريقيا وتلاميذها ينتشرون فى جميع المراحل العلمية سواء فى وزارات أو منظمات، وأعتقد أنها تمثل اللغة الإنجليزية فى منظومة الأمم المتحدة.
وواجب الأمانة يفرض على هذا المجتمع أن يراجع اختياراته ويصحح توجهاته وينظر بكل التجرد فى ترشيحاته ويعتبر أن مثل هذه النماذج هى أمانة ضمن أماناته ويكفى أن أذكر لكى نعرف قيمة هذه الأستاذة أن الباحثين يعرفون ويقدرون عطاءها فى تحديث اللغة الإنجليزية ذاتها لدرجة أنه يقال عنها إذا سارت فى شارع أكسفورد مع وليم شكسبير سوف يكتشف الشعب البريطانى بجانب نور الشريف ويشعر بأنه أصبح أميًا بين الشعب البريطانى ألا تستحق نموذجا من العرفان حتى ولو بنشر رسالة الغفران!.