لا شك أن أصحاب المعاشات فى بلادنا يستحقون التقدير والاحترام والتوقير أيضًا لما قدموه للوطن من أعمال وجهود فى عمليات البناء والتعمير سواء فى المصانع والمزارع وكافة الهيئات والأنشطة فى بلادنا خلال سنوات عمرهم وتقديمهم الكثير من التضحيات والجهد والعرق أيام الشباب.
ولكن للأسف الشديد نجد من يتنكر لهؤلاء المحالين إلى المعاش فى جحود ونكران لما قدموه عبر سنوات طويلة، وبالرغم من أن الدستور فى المادة ١٧ قد أكد على «أن الدولة مسئولة وتكفل توفير خدمات التأمين الاجتماعى لكل مواطن وحقه بما يضمن له حياة كريمة إن لم يكن قادرا على إعانة نفسه وأسرته وحتى فى حالات العجز عن العمل فى فترة الشيخوخة والبطالة وأكد الدستور أيضا على أن الدولة تعمل على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين والعمال الزراعيين والصيادين والعمالة غير المنتظمة».
وهناك اعتراف أيضا بأن أموال التأمينات والمعاشات أموال خاصة تتمتع بجميع أوجه وأشكال الحماية المكررة للأموال العامة هى وعوائدها حق للمستفيدين منها وتستثمر استثمارا آمنا وتديرها هيئة مستقلة وفقا للقانون كما أكد الدستور أن الدولة تضمن أموال التأمينات والمعاشات.
وللأسف الشديد وللمرة الثانية تقوم الحكومة بالوقوف ضد تنفيذ الأحكام الخاصة بحقوق أصحاب المعاشات والتى أصدرها القضاء المصرى العريق حيث تسرع الحكومة بتقديم استشكالات قضائية من أجل وقف تنفيذ الأحكام أو من باب كسب الوقت ضد حقوق الملايين من المصريين من أصحاب المعاشات وفى ظل أوضاعهم الاجتماعية والإنسانية والصحية التى تحتاج كل عون ومساندة لهم.
ولعل الموقف الأخير بقيام الحكومة بتقديم استشكال ضد الحكم الأخير الصادر منذ أيام بحق أصحاب المعاشات يكشف العديد من المواقف غير الملائمة والتى لا تتناسب مع أى حكومة رشيدة.
حيث جاء الاستشكال هل من أجل الحق أو المماطلة أو المكايدة لا سمح الله ولكن الواقع يؤكد أن الاستشكال الذى قدمته الحكومة جاء ليضرب فى مقتل فرحة أصحاب المعاشات المستحقين لحقوقهم والذين استقبلوا الحكم بسرور وفرحة بالغة وقد أقاموا لأنفسهم احتفالات بسيطة تعبر عن مدى سعادتهم بهذا الحكم القضائى الذى هو عنوان الحقيقية.
ومن هنا كانت فرحتهم باسترداد جزء من حقوقهم حينما لجأوا للقضاء المصرى الشامخ وتبقى مجموعة من الملاحظات المهمة حول هذا الموقف الذى اتخذته الحكومة والذى نعتبره غير ملائم سياسيًا واجتماعيًا:
١- أن الوقوف ضد الأحكام القضائية النهائية بالاستشكالات الشكلية أو بالتباطؤ فى صرف الحقوق هو موقف يبتعد كثيرا عن التقاليد والأعراف المفترض فيها أن تضرب الحكومة نموذجا ومثالا فى احترام القانون وأحكام القضاء.
٢- وإذا كنا بشكل عام نعانى كأفراد من عدم تنفيذ الأحكام وما يطلق عليه الأثر للتشريعات والقانون على أرض الواقع فكان يجب على الحكومة أن تعلن وترحب بقبولها الأحكام القضائية وأنها سوف تنفذها فورًا تقديرا لأصحاب المعاشات ودورهم فى الحياة باعتبارهم بنائين فى هذا الوطن واحتراما أيضا للدستور والقانون والقضاء.
٣- إن عـدم تنفيذ الأحكام القضائية النهائية سواء فى قضايا الإزالات والتعديات وغيرها من الأحكام واجبة النفاذ أصبح من الأمور المسيئة لأى حكومة رشيدة ولأى أفراد يضربون بالقانون.
٤- إن اللجوء إلى الاستشكالات فى أحكام قضائية واضحة هو أمر مرفوض من الأفراد أو الهيئات فما بالنا فالحكومة هى التى تلعب فى تلك المنطقة!!
٥- إن احترام القضاء وأحكامه أمر واجب من قبلنا جميعًا مواطنين ومن قبلنا الحكومة ذاتها من أجل أن تضرب النموذج والمثل وهى تعلن ليل نهار وتؤكد بأننا دولة المؤسسات والسلطات المستقلة بل ودولة القانون وهى المسئولة عن إنفاذ هذا القانون وأنه لا يوجد أحد فوق القانون.
٦- إن الموقف الأخير من الاستئناف والاستشكال لحقوق أصحاب المعاشات يعنى بلا مواربة فى الجزء الأهم والأوضح هو عدم احترام الحقوق الواضحة.
٧- إن أصحاب المعاشات فعلا هم الأولى بالرعاية والاحترام والتقدير خصوصا أنهم أفنوا عمرهم بشرف وأمانة ونزاهة فى خدمة الوطن وليس لهم مصدر آخر سوى هذا المعاش الضئيل وليس لهم دخل أو مصدر آخر للرزق والعيش رغم أنهم فى الأصل الجزء الأصيل فى بناء تلك الدولة المصرية بطول البلاد وعرضها.
وغنى عن البيان أن الأخطر فى هذا الموقف هو ضرب الدستور المصرى فى التصرف والتحكم فى المال الخاص لأصحاب المعاشات.
لقد آن الأون فى أهمية أن يتم احترام الدستور فيما يخص أصحاب التأمينات والمعاشات بشكل واضح وأن الأمر يتطلب أن تعيد الحكومة تشكيلا جديدا لمجلس إدارة اتحاد المعاشات والمفترض أن يكون مستقلا وأن يكون هناك تمثيل حقيقى لأصحاب المعاشات داخل هذا المجلس من أجل الحفاظ على هذه الأموال المصونة ومن أجل استثمارها بالشكل الأمثل دون تحكم من أى جهات حكومية وبإشراف من القانون.
إن حرمة المال الخاص تتطلب من هيئة التأمينات أن تحمى هذا المال باعتباره هو ملكا لأصحاب المعاشات والعمل على استثماره الآمن وبشفافية ونزاهة واضحة ويكفى الإعلان عن كيفية استثمار هذا المال بشكل آمن فى العديد من المشروعات بدلا من إدارة أموال المعاشات بشكل غير شفاف ويبتعد عن المعايير الواضحة للرقابة والمتابعة.
إن أموال المعاشات ليست أموالا مملوكة للحكومة للتصرف فيها كما تشاء سواء بالاقتراض أو الإدارة غير الآمنة، إن أصحاب المعاشات هم فى الأساس الذين يحتاجون حياة أفضل سواء بزيادة معاشاتهم مع ارتفاع الأسعار وتكلفة الحياة الكريمة وما يحتاجونه من خدمات وأدوية ورعاية صحية أو حتى بتقديم الخدمات الترفيهية والسياحية لهم فى سنوات وهم فى حاجة لهذه الرعاية.
إن ضياع الحقوق لأصحاب المعاشات هو شكل من أشكال الجحود الذى نربأ بالحكومة أن تصل إليه مع هؤلاء المحترمين من أجل السهر على راحتهم والاطمئنان عليهم وحتى لا نتركهم مهمومين بسبب غلاء الأسعار أو بسبب العوز أو بسبب النسيان أو حتى الضياع لحقوقهم المالية والاجتماعية والإنسانية.
وبعد فإن الأمر فى النهاية مرهون بمدى تقديرنا واحترامنا لهؤلاء الكبار الذين قدموا كل جهد وغال من أجل أن نحيا ونعيش فى وطن عزيز.
وتبقى تحية تقدير وإجلال ومطالبة برد حق كافة المحالين إلى المعاش ونرد لهم كافة الحقوق ولا نضطرهم مستقبلا فى أن يضطروا إلى اللجوء للقضاء من أجل حقوقهم الواضحة.