الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

قول يا طير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نماذج من سيرة حياة فى لحظة تاريخية تمثل منطلق مأساة شعب بأكمله، جرحه غائر فى جسد أمة هو منها فى القلب كقضية مركزية حتى وإن شغلتها همومها، شواهد وقفت صارخة فى معرض الذاكرة الفلسطينية بقصر الأمير طاز (6 إلى 12 مارس) عنوانها «قول يا طير» أخذنى طير الحكى الذى لا يكذب أهله وعشيرته فى التيمة الحكائية الفلسطينية، من صورة إلى صورة ملامحها تنطق وجعها، لكنها محملة بروح الإصرار بأن حقها لن يغيب ولن يُنسى، تعلقت عيناى وجالت ذاكرتى موجوعة مع ما قرأت من معلومات مرفقة بمقتنيات العيش بأول منزل تنفست فيه أرواح أهله قبل تهجيرهم (1948م)، جذورهم ظلت هناك فى أمكنة المنبت والمنشأ، بيوت متأصلة عروقها فى الوطن السليب من: يافا، القدس، غزة، صفورية، الناصرة، الخليل... مستعملاتهم اليومية رغم مرور الزمن مازالت تعبق بروائح أناسها وتعلن حكاياتهم: بنطال ونظارة الفدائية ناريمان، منديل أمين، ثوب رشيدة المطرز بلون الحياة، سرير وفستان يوم الفرح، كردان وأساور فضة لعروس، كنكة قهوة، مفاتيح بيوت، أما الوثائق الشخصية والمهنية فشهادة إثبات ترسخ المواطن فى وطنه وإن حمله جواز سفره وبطاقته الشخصية غصبا إلى جغرافيا العالم قريبة وبعيدة، فأين المفر والعدو بلا رحمة يفتك بالإنسان وبالمكان قتلا وتشريدا وتنكيلا بحجة أرض موعودة ووعد متحقق ممن لا يملك غير دستور وشريعة غابة بلفور. 
المعرض كمهمة وطنية حفظا للذاكرة وجهد سنوات لجمع وتوثيق حكايات التهجير كتاريخ سياسى شفاهى عملت على تدوين التغريبة الجبرية الأولى من أفواه من تشتتوا بأجسادهم «مؤسسة الرواة للدراسات والأبحاث» التى تترأسها د. فيحاء عبدالهادى رفقة باحثات موثقات منهن من تشرفتُ بتلقى دعوتها لزيارة المعرض وهى السيدة آمال الأغا، وقد استمعت لشروح موسعة من السيدة سونيا عباس التى أشارت أيضا إلى اضطلاع المؤسسة بتوثيق الروايات الشفوية أثناء أحداث الحرب على غزة 2010، 2012، 2014،التوثيق توزع بين تسجيلات صوتية ومرئية (115 شهادة) من عام 1948 وحتى 2017، وشريط وثائقى بعنوان « ذاكرة حية»، كما جرى طبع إصدارين بعنوان: مرآة الذاكرة، وذاكرة حية، كتابان كانا فى متناول الزائرين للمعرض من أفراد ومؤسسات تعليمية وإعلامية، وهو المعرض الذى جاب الأردن والبحرين وبعض متاحف وقاعات فلسطين رام الله، والقدس، ونابلس.
وكنت فى معرض مشاركتى فى تسجيلات مصورة لزوار المعرض من جنسيات مختلفة جرى بثها بصفحة المؤسسة، حييتُ جهدهن الحريص المثابر، وتحدثت عن أهمية التوثيق التاريخى والجغرافى والأنثربيولوجى كتأصيل للذاكرة الوطنية وإبقائها حية تتداولها الأجيال، وهى مبتدأ ترسيخ المطالبة بالحقوق، وذاكرة شعبنا الفلسطينى محملة بقضيته بكل تفاصيلها التى يعمل مغتصب على تهميشها ومحوها، بل وسرقة تراث وتاريخ أرض وهوية وثقافة مواطن، فكما حربه المعلنة تهويد واستيطان وتغيير معالم هناك حرب صامتة. 
وفى ذاكرة الليبيين كما كل العرب تحضر فلسطين القضية والنضال المشترك، فالمؤرخ والدبلوماسى وأول قاص ليبى الراحل وهبى البورى التحق عام 1944 م بالشيخ أمين الحسينى مفتى فلسطين مترجما ومذيعا مؤسسا رفقة السيدين كامل مروة وسليم الحسينى لمحطة إذاعية «صوت العرب الأحرار» موجهة إلى الفلسطينيين من إيطاليا وله سيرة مفصلة فى ذلك، كما وقد وثق فدائيان من ليبيا سيرة مشاركتهما فى حرب 1948 ضد العدو الصهيوني، فمن معسكر بمرسى مطروح انطلق نحو فلسطين برا الفدائى وحيد والديه محمد حسن عريبى ما كتبه فى سيرته: الفدائيون الليبيون فى حرب فلسطين 1948م، والمتطوع الفدائى الثانى هو السنوسى شلوف من دون أسماء رفاقه الذين خرجوا معه من ليبيا فى كتابه: مواقف من جهاد العرب الليبيين بفلسطين، وستبقى فلسطين ذاكرة كل العرب كما هى ذاكرة كل أحرار العالم.