تحدثنا فى المقال السابق عن الإجراءات الواجب اتخاذها لمعالجة النقص المتزايد فى أعداد الأطباء والتمريض العاملين بالمستشفيات الحكومية، وذلك من خلال زيادة الدخل وتحسين بيئة العمل، وفى نفس الوقت زيادة أعداد الملتحقين بكليات الطب والتمريض وذلك بإنشاء كليات أهلية وحكومية وخاصة جديدة، وزيادة الطاقة الاستيعابية للكليات الحالية بما لا يخل بمعايير الجودة. ونخصص هذا المقال للحديث عن تدريب الأطباء، المشاكل والحلول المقترحة لتحسين الوضع القائم حاليًا.
يجب أن نعترف أن الوضع الحالى لتدريب الأطباء بعد التخرج من كليات الطب والعمل فى المستشفيات الجامعية أو مستشفيات وزارة الصحه لا يحقق آمال الأطباء، ولا يرقى إلى المستوى الذى ينشده المواطن المصرى أو الحكومة المصرية، فالوضع الحالى غير محدد المعالم ويختلف من مستشفى إلى آخر ومن وزارة إلى أخري، فعندنا الماجستير والدكتوراه والزمالة والبورد، ولكل نظام طرق تدريب وامتحانات مختلفة، ولدينا أماكن محدودة للتدريب فى الجامعات، وأماكن محدودة للزمالة والبورد، وأعداد كبيرة من الأطباء لا تستطيع الالتحاق بالدراسات العليا خاصة بالماجستير، نظرا لعدم مقدرة الجامعات على قبول الأعداد المتزايدة التى ترشحها وزارة الصحة، ولا بالزمالة أو البورد المصري، أيضا لمحدودية الأماكن المتاحة، ولذا فهناك حاليا الآلاف من الأطباء الذين لا يجدون فرصة الالتحاق ببرنامج تدريبى للحصول على الدرجة التخصصية التى تمكنهم من العمل الطبى المتخصص.
وجزء من المشكلة هو التداخل بين الدرجات الأكاديمية البحثية التى تمنحها الجامعات مثل الماجستير والدكتوراه، وبين برامج التدريب الإكلينيكى للأطباء مثل الزمالة والبورد، والحقيقة أن سبب هذا الاختلاف يعود إلى قانون تنظيم الجامعات رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٢، والذى ساوى بين كليات الطب وباقى الكليات النظرية والعملية، وكذلك بين التخصصات الطبية فى العلوم الأساسية والتخصصات الإكلينيكية، ونص على ضرورة الحصول على درجتى الماجستير والدكتوراه كدرجات أكاديمية للترقى إلى الوظائف فى الجامعة، وهى المدرس المساعد بعد الماجستير والمدرس بعد الدكتوراه.
وبنفس الطريقة ولعدة عقود ظلت وزارة الصحة ترشح الأطباء العاملين فيها إلى التسجيل بالجامعات للحصول على نفس الدرجات الأكاديمية، وعندما اكتظت الجامعات بالأعداد وأصبحت غير قادرة على قبول المزيد، أنشأت وزارة الصحة الزمالة المصرية، وحديثا تم إنشاء البورد المصرى وهيئة التدريب الإلزامي، وهى هيئة مستقلة تتبع مجلس الوزراء.
وبنظرة سريعة على ما هو حادث فى العالم اليوم، نرى أن برامج التدريب الإكلينيكى للأطباء يشرف عليها هيئات مستقلة تسمى المجالس الطبية، وهى مستقلة تماما ولا تتبع وزارة الصحة ولا وزارة التعليم العالي، وبرامج التدريب محددة المدة حسب طبيعة التخصص، وتنتهى بالحصول على الزمالة أو البورد، وهى التى تؤهل دون غيرها لممارسة مهنة الطب فى وظيفة أخصائى أو استشاري. أما التدريس والبحث العلمى فله طريق مختلف تماما تنظمه وتشرف عليه الجامعات.
وفى مصر، تم إنشاء هيئة التدريب الإلزامى للأطباء، كهيئة مستقلة تابعة لمجلس الوزراء وتم تكليفها بإنشاء البورد المصرى فى التخصصات الطبية، ولقد شرفت بالانضمام إلى اللجنة المركزية للبورد المصري، وهى مشكلة من السادة عمداء كليات الطب وذوى الخبرة من الجامعات المصرية والمستشفيات التعليمية بوزارة الصحة والأكاديمية الطبية العسكرية، وقامت هذه اللجنة بوضع تصور شبيه بنظم التدريب الطبى الموجودة بباقى دول العالم، ويحقق فرص متساوية لجميع الأطباء للحصول على تدريب عالى المستوى يمكنهم من ممارسة العمل الطبى التخصصى على مستوى الأخصائى والاستشارى بكفاءة عالية،
وأهم معالم هذا التصور والذى انتهت اللجنة من صياغته وقدمته إلى مجلس إدارة الهيئة ما يلي:
أولًا: توحيد نظم التدريب المختلفة فى نظام واحد، تحت مسمى متدرب فى برنامج البورد المصري، تتبعه جميع المستشفيات المصرية سواء كانت جامعية أو تابعة لوزارة الصحة أو القوات المسلحة أو الشرطة أو غيرها. على أن يتدرب أطباء وزراة الصحة لمدة عام واحد على الأقل بالمستشفيات الجامعية، وأن يتدرب أطباء المستشفيات الجامعية لمدة عام واحد على الأقل بمستشفيات وزارة الصحة.
ثانيًا: توحيد الدرجة المهنية المؤهلة للعمل التخصصى لجميع الأطباء تحت مسمى واحد وهو درجة البورد المصري، يتساوى فى ذلك أطباء الجامعة مع أطباء الصحة وكذلك باقى الهيئات.
ثالثًا: إلغاء العمل بدرجة الماجستير للتخصصات الإكلينكية وحصرها على العلوم الطبية الأساسية بكليات الطب.
رابعًا: درجة الدكتوراه هى درجة بحثية أكاديمية تمنحها الجامعات وهى ضرورة للتعيين فى وظيفة مدرس بالجامعات المصرية ومراكز الأبحاث.
خامسًا: إنشاء المجلس الطبى المصري، (Egyptian Medical Council) كهيئة مستقلة عن الجامعات ووزارة الصحة، وتكون تابعة إلى مجلس الوزراء، وتكون وظيفتها وضع القواعد المنظمة لتدريب الأطباء، والامتحانات، ومنح التراخيص من أول ترخيص مزاولة المهنة إلى رخصة الأخصائى والاستشاري.
ومما سبق يتضح أن قطاع الصحة المصرية بحاجة ماسة إلى حزمة من القوانين لكى تضبط وتراقب جودة تدريب الأطباء، وتوحد الدرجة المهنية التى يحصلون عليها، وتعيد هيكلة المنظومة الصحية تحت إدارة عليا موحدة، وهذه القوانين أصبحت ضرورة لبدء العمل بنظام التأمين الصحى الشامل.
ويحسب لهذه الحكومة ولهذا البرلمان سن عدة قوانين جديدة وتعديل قوانين أخري، لتطوير التعليم الطبى والعمل بالمستشفيات الجامعية، وقانون الأبحاث الطبية وقانون التأمين الصحي، فهناك أمل أن تتخذ الحكومة والبرلمان معًا الخطوات اللازمة لإجراء التعديلات التشريعية لتطوير التدريب المهنى للأطباء.
لذا فإن إنشاء المجلس الأعلى للصحة برئاسة رئيس الوزراء وعضوية الوزراء المعنيين يمثل ضرورة لضبط العمل بهذا القطاع الحيوى المهم الذى يمس حياة المصريين، وللحديث بقية.