كان لقاء رئيس الوزراء مع رؤساء تحرير الصحف المملوكة للدولة، يوم الأربعاء الماضي، كاشفا عن مدى انتباه الدولة، إلى أهمية وقف نزيف الخسائر، التى تتعرض لها تلك الصحف، والمستمر منذ سنوات بدأت قبل أحداث يناير ٢٠١١.
فقد طالب رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، بضرورة إعادة هيكلة تلك المؤسسات، حتى يتم وقف النزيف المتوالى الذى يستنزف موارد الدولة متناسين الدور الوطنى المهم الذى تقوم به تلك الصحف رغم ما تعانيه من سوء إدارة.
ومن بين المساخر التى تعرضت لها مهنة صاحبة الجلالة فى السنوات الأخيرة القانون الذى صدر منذ ثلاث سنوات وتجاهل عن عمد أهمية وحيوية الصحف المستقلة والخاصة وهى التى تمثل أكثر من نصف سوق العمل الصحفى فى مصر، وكأن تلك الصحف تخاطب قارئا خارج الحدود أو أن العاملين فيها أجانب أو عبيدا مسخرين، ولأن القانون به خلل واضح فقد زاد هوة الفساد وأسس لضغينة لا محل لها ولا داع فى الوسط الصحفي.
قوانين الصحافة تجعل الصحف المستقلة والحزبية مطالبة بالتزامات وتنزع عنها الحقوق، رغم أن العاملين بها من المهنيين المهرة والموهوبين، ورغم ذلك يعملون فى ظروف عمل، وضغوط نادرا ما يتعرض لها الصحفى الذى يعمل فى مؤسسة تملكها الدولة.
هذا المقال لا يهدف للنيل من مؤسسات صحفية بعينها، كانت دائما ملهمة للقادة والسياسيين، ومنبرا يتعلم منه العربي، من الخليج للمحيط، ولكنه صرخة لعلها تساهم فى الإبقاء عليها، وتطويرها ضمن منظومة متكاملة تشمل جميع المؤسسات، سواء كانت مستقلة أو حزبية أو تملكها الدولة، ونسميها على استحياء «القومية» وهو مسمى مستحدث فى عالم الصحافة ظهر بعد السماح بتراخيص الصحف المستقلة والحزبية، لا يوجد مثيل له فى أى دولة، من دول العالم.
وربما كانت الفرصة مواتية الآن، للنهوض بكل المؤسسات الصحفية، بل والإعلامية خاصة قنوات ماسبيرو، بعد أن تكالب عليها الأكلة، بحجة أن تأثيرها قد ضعف، أمام هزة التكنولوجيا العنيفة، التى اجتاحت العالم فى السنوات الأخيرة، وجعلت وسائل التواصل، وتبادل الأخبار أمرا يسيرا، ومتاحا أمام المتلقى دون أن يحتاج إلى شراء صحيفة ما، أو يستغنى عن متابعة قنوات التليفزيون المصرى مكتفيا بالقنوات الخاصة واليوتيوب!!.
الفرصة مواتية الآن، كى تتعافى صاحبة الجلالة من وعكتها، كى تواجه ما يسمى بـ«صحافة وسائل التواصل الاجتماعى» التى لا يمكن بحال من الأحوال الوثوق فيها، لأنها مصدر ملغوم، بالأكاذيب والشائعات، وحقل جيد لألاعيب أجهزة الاستخبارات، والجهات المعادية.
يجب أن نشير، إلى أن أى حل، لا ينظم المهنة بكافة أطيافها، هو حل يعقد المشكلة، ولا يساهم فى انتشالها من كبوتها الحالية، ولا يدرك ضرورة انطلاقها مرة أخري، لتؤكد سيادة القوة الناعمة المصرية،التى تساهم فى تشكيل الوعى العام محليا وعربيا، لأن مهنة الإعلام، سواء كانت مكتوبة، أو مسموعة أو مرئية، هى مهنة تمثل صلب الأمن القومى المصرى والعربي، وإحدى ركائز الدولة الأساسية،التى لا تقوم الدولة الحديثة بدونها، فى ظل تسمم الفضاء الإعلامى العالمى بأخبار مغلوطة، وشائعات مغرضة، تسهم فى تفتيت الجبهة الداخلية، وتشتيت الكتلة الصلبة، التى تمثل العمود الفقرى للمجتمع.
نتمنى أن تشهد الفترة القريبة المقبلة، مبادرة وخطة طريق، يتم إعدادها من نخبة الإعلام والصحافة فى مصر، يتم اختيارهم من كافة الصحف سواء خاصة أو حزبية أو مملوكة للدولة،حتى لا نجد أنفسنا تائهين مشردين على أنقاض بلاط صاحبة الجلالة.