الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

«سنب حتب» يخاطب كل من يكتب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكتب هذا الخطاب إلى كل من يكتب من الكتاب والمؤلفين والصحفيين والمدونين، وكتاب الأعمال الدرامية والسينمائية والإعلاميين ومشاهير السوشيال ميديا، ليعى كل منكم أهميته وخطورة ما يكتب فى التأثير على المجتمع وليفهم قدسية هذه المهنة. 
الكاتب فى مصر القديمة كان له مكانة خاصة جدا، وكان وضعه الاجتماعى ذو شأن كبير، فقد كان المصرى القديم يعتبر مهنة الكتابة من أشرف المهن، وتعتبر مهنة مقدسة فيستطيع الكاتب التقرب من الاَلهة بكتاباته، وها هنا أسرد إليكم بردية من أهم البرديات للحكيم «سنب حتب» الذى أوصى ابنه قائلا: «أعد نفسك لتكون كاتبًا وحاملًا قلم المعرفة... إنها أشرف مهنة وأجدر وظيفة تليق بك وترفع شأنك وتقربك من الآلهة... إن ما يخطه قلمك سيعيش أبد الدهر ويكون أكثر خلودًا مما ينقشه الآخرون على الحجر الصلب، لأنه سيعيش فى قلوب الناس ورؤوسهم فلا تمتد إليه يد العبث أو التخريب... تعلم كيف تحرك أصابعك القلم، وكيف يحرك عقلك أصابعك، فلا يخط قلمك إلا الحكمة والمعرفة وما ينفع الناس... اجعل ملف البردى وأدوات الكتابة أصدقاءك ستجد أنهم أوافى الأصدقاء وأخلص الندماء... ستزيدك الكتابة بما هو أجمل من ملابس الكتان وعطور اللوتس، إن ما يخطه قلمك هو أعظم ميراث لا تعبث به يد الطامعين، وأثمن من إرث أرض فى ناحية الشرق أو مقبرة ناحية الغرب، إن الكتابة مهنة مقدسة تقربك إلى الإله الذى منحك العقل والقلم، وتقربك من فرعون والناس وتجعلك حبيبًا للجميع».
وكتب «رع حتب» واصفًا متعة الكتابة: «الكتابة تجعل الكاتب أسعد من امرأة وضعت طفلًا، فالكتابة كميلاد الطفل الذى يعوض الأم ما تحملته من آلام فى حمله وولادته، فلا تشعر بأى تعب وهى تقوم وترضعه وتعطى ثديها لفمه كل يوم... فرح هو قلب الكاتب الذى يزداد شبابًا كل يوم... فرح وهو يسترد أضعاف ما أعطى... من حبهم وتعظيمهم له وتقديسهم لأعماله». 
ولقد أدرك المصرى القديم ما تحققه الكتابة من استقلالية وشعور بالحرية الذاتية للكاتب، وهذا وصفته بردية الكاتب «آمون من» حينما قال: «كن كاتبًا حتى يريح عقلك إجهاد جسمك... كن كاتبًا لتصبح سيد نفسك ولا تكن تحت إمرة أسياد كثيرين... كن كاتبًا فتنعم عليك الآلهة بحاسة جديدة مقدسة تضاف إلى نصف حواسك الخمس، حاسة تميزك عن الآخرين فترى ما لا يراه الآخرون، وتسمع بعقلك وقلبك عالم ما وراء الطبيعية، ستتمتع بشهوات عقلك فتسعد قلبك ومن كان قلبه سعيدًا أسعد الآخرين».
التمييز! وما أدراك ما التمييز، فهى حاسة ذات أهمية كبيرة وهبة يمنحها الله لمن أراد فيصل إلى الإدراك ومنه ليرتقى بوعيه ويصل إلى سمو عقلى وروحى معًا، ولكن ليس كل من يكتب هو كاتب وليس كل إعلامى كاتبا ولديه صفات أهل هذه المهنة العظيمة، فعليك إذا رغبت أن تكون كاتبًا حقيقيًا أن تحب هذه المهنة حبًا حقيقيًا فيقول «سبك حتب» لمن يخاطبه «ليتنى أستطيع أن أجعلك تحب الكتابة أكثر من أمك، ليتنى أستطيع أن أريك جمالها».
وأقول لكل من لديه الموهبة، خطاب الحكيم «آنى» وهو يخاطب ابنه قائلًا: «فلتكن أمنيتك أن تصبح كاتبًا، فالكتاب أعظم رزقًا تسعى إليه... وأعظم هبة يهبها الإله لمن يسعى إليه. الكتاب أعظم قيمة من مسكن الحياة حيث تشرق الشمس وأبقى خلودًا من مقبرة حيث تغرب الشمس. إنه أجمل وأمتع من قصر البستان أو لوحة دعاء فى هيكل معبد الآلهة».
وأنهى رسالتى بنصائح الوزير والمفكر المصرى العظيم «بتاح حوتب» قائلًا: «كن ممن يحسنون صناعة الكلام لتكون قوى البأس لأن قوة الإنسان هى اللسان، والكلام أعظم بأسًا من كل حرب».
لكل من يقرأ خطابى، كن صاحب ضمير وصاحب مبدأ، كن صاحب معرفة وصاحب وعى، كن لسان الناس ومنصتًا جيدًا لما يقولونه من شكواهم، عليك أن تفكر قبل أن تكتب وتوجه رسالتك لمن، وما الرسالة التى ترغب أن تقولها ومن سيستغلها، واجعل رسالة حياتك هى الـ«وعى».