حصاد حدث دولى مثل مؤتمر القمة العربية - الأوروبية لا يجب إيجازه فقط فى الملفات المطروحة – رغم أهميتها- أمام قادة العالم سواء خلال الجلسات المغلقة أو اللقاءات الثنائية، ولا يجب اختصاره فى البيان الختامى وبنوده. أحد التداعيات الإيجابية بعد انتهاء أنشطة المؤتمر حالة الحوار التى أثارها حول تفعيل ما دار فى الملتقى الدولى وترجمته إلى واقع ملموس. المواطن فى المنطقة العربية يريد أن تكون لغة القمة ذات صيغة عملية.. بمعنى استثمار نتائج المؤتمر فى تعزيز التعاون على مختلف الأصعدة، سواء سياسيا، اقتصاديا، أمنيا، ثقافيا، سياحيا خصوصا بعد انتهاء مرحلة الكساد السياحى فى مصر وفق تقرير معلوماتى نشرته جريدة نيويورك تايمز مؤخرا. تقليص مساحة الخلاف عبر حوار صريح حول القضايا المشتركة مثل مواجهة الإرهاب أو الوصول إلى حلول جادة وفاعلة تنهى نيران الحروب فى المنطقة العربية.. ملفات لا تحتمل الجدل حول أهميتها بعدما أصبحت المصالح والتحديات مشتركة بين الطرفين.
فى إطار هذا المشهد، يطرح الملف القديم- الجديد نفسه بقوة حول آلية تواصل تربط الإعلام العربى بنظيره الغربي. الاهتمام الإعلامى الدولى الذى حظت به القمة نجح فى إيقاد شرارة التواصل، لكن هل نكتفى بهذه الحالة الإيجابية التى خرج بها الإعلام الغربى عن الواقع الذى لمسه.. المؤكد أن هذه الخطوة هى مجرد بداية نحو تصحيح خلل ما زال يعيق وصول الرسالة الإعلامية العربية للآخر. هذا العجز ظل عبر سنين يمثل مطلبا أساسيا رغم أن هذا الجسر الرابط لا يمثل إشكالية معقدة يصعب تحقيقها.
كثافة النشاط الدبلوماسى المصرى ونجاحه عربيا ودوليا ما زال ينتظر بلورة خطواته من الجهات المختصة بالإعلام عبر خطوات تنفيذية - بعيدا عن الضوابط الرسمية المقيدة - لدعم الانطباع الإيجابى الذى حمله الإعلام الغربى وهو يغادر شرم الشيخ.. قرارات من شأنها تحرير الإعلام العربى من الدائرة المغلقة التى ندور داخلها ونحن نكتفى بمخاطبة بعضنا البعض عن واقع نعيش أدق تفاصيله.. أى محاولة فردية لن تنجح فى كسر القالب المبرمج الذى يتعامل به الغرب مع المعلومة والخبر بينما هو فى حالة انفصال تام عن أحداث المنطقة وأولوياتها. تصاعد الأزمات الدولية كشف مؤخرا تلاشى الفوارق بين الاهتمامات، مع ارتباط تحديات المنطقة بملف يمس الأمن القومى الأوروبى تحديدا قضية عودة دواعش أوروبا من مواقع معسكراتهم فى دول عربية.. وهو الملف الأكثر إثارة للجدل بين أمريكا وأوروبا.
تراجع نبرة التحفز العالمى ضد الاختيارات التى عكست إرادة الشارع المصرى منذ 2013 تحولت إلى تصاعد الاهتمام الإعلامى فى متابعة الحدث المصرى والتركيز عليه. هذه النقلة تعكس تقارب مساحة المصالح بين الغرب ومصر، فالبديهى أن تتفاوت درجة الاهتمام الإعلامى وفق ارتباط مصالح الدول الأوروبية بالدولة وحجم تأثيرها. كل المؤشرات تؤكد أنه لا يوجد توقيت أنسب لاستثمار هذه اللحظة وكسر قيود الروتين التى تمنع وصول الحقائق إلى الإعلام الغربي.
لدينا ثلاث جهات رسمية ومستقلة معنية بتنظيم ضوابط مهنة الإعلام المقروء والمرئي، الهيئة الوطنية للصحافة، المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الهيئة العامة للاستعلامات الجهة المسئولة عن مخاطبة الإعلام الغربى عبر مراسليه فى القاهرة.. مع الاعتراف بوجود قوانين تحدد آلية عمل ومهام هذه الأجهزة، إلا أنه لا يجدر اعتبارها ثوابت جامدة خصوصا مع مهنة حيوية لا تنفصل عما يحيطها من تغييرات وتطورات. اتساع مساحة تأثير الدور المصرى دوليا لا بد أن يواكبه تغيير مطلوب يخلق فرصا للآراء المهنية التى تتصدى بالحقائق والمعلومات وتصحيح نمط القوالب الإعلامية الجامدة التى ما زال بعض منها يحكم الإعلام الغربي. ليس من رابع المستحيلات إنشاء أو استحداث جهة كجزء من إحدى الهيئات الموجودة بالفعل بإدارة مجموعة من المتخصصين فى التواصل الإعلامى لمعالجة الخلل فى وصول الخطاب المصرى إلى الإعلام الغربى مدعوما بالأدلة والأرقام عند نقل أى حدث بشفافية.. إذ لا يمكن الاكتفاء بالمؤتمرات الصحفية للمراسلين الأجانب والبيانات الصادرة عن هيئة الاستعلامات للرد على النبرة العدائية التى تطل أحيانا من بعض الصحف - تحديدا تلك التى تدور علامات الاستفهام حول مصادر تمويلها - بل يجب أن تتولى جهة ما رصد الكتابات التى تتصدى بالردود المهنية على المزاعم والأكاذيب وإرسالها للنشر فى نفس المنبر الإعلامى الذى ترد فيه. هى مسئولية تفرض نفسها إذا أراد الإعلام الارتقاء بدوره من أسر قيود القوانين واللوائح إلى ريادة تشكيل وتنوير الرأى العام سواء فى مجال الإيجابيات التى تحققها مصر بفضل الإدارة السياسية، أو التحديات التى تواجهها فى محاربة الإرهاب، هذا فى حال وجود رغبة جادة لقطع الطريق على محاولات البعض تشويه الحقائق فى هذا الملف.
إلقاء الكرة فى ملعب الإعلام الغربى فى ظل ما يروج له من قيم حرية التعبير والحوار مع الآخر والقبول بتعددية الآراء والأفكار، سيكون مجديا خصوصا وأن المحاولات الفردية التى بذلها عدد من المثقفين الكتاب لإرسال ردود على ما يرد فى المنابر الإعلامية طالما قوبل بالامتناع عن النشر.