هاجت الدنيا، ولم تقعد بفعل اللجان الإلكترونية للإخوان بعد تنفيذ حكم الإعدام فى قتلة المستشار هشام بركات النائب العام السابق، والحقيقة أن للإخوان مع القضاء والقضاة حكايات وحكايات، قصصنا إحداها فى المقال السابق حين تحدثنا عن مقتل القاضى أحمد الخازندار، واليوم نحاول رصد بعض هذه الحكايات والتى تجلت أثناء حكم الإخوان ومحاصرة المحكمة الدستورية العليا لمنع صدور حكم حل مجلس الشورى، حيث تم منع القضاة من دخول المحكمة، أما الإعلان الدستورى الذى أصدره محمد مرسى فى 22 نوفمبر 2012 فكان بمثابة القشة التى قسمت ظهر البعير حيث جعل القرارات الرئاسية نهائية، ولا يجوز الطعن عليها أمام أى جهة قضائية، هذا الأمر الذى لم يحدث عبر تاريخ مصر الحديث حتى فى أشد العصور ظلامًا وديكتاتورية فما بالنا ونحن نتحدث عن ديمقراطية جعلت جماعة محظورة تتصدر المشهد السياسى وتصل بها إلى سدة الحكم بعد انتخابات برلمانية ورئاسية، وبموجب هذا الإعلان الدستورى تمت إقالة النائب العام عبدالمجيد محمود وتعيين نائب عام جديد بدون الرجوع إلى مجلس القضاء الأعلى وقبل إعلان هذه القرارات بعدة ساعات ذهب مؤيدو الإخوان إلى دار القضاء العالى يحملون (الليف) فى إشارة منهم إلى التطهير ويحملون أيضا لافتات سباب وشتائم فى حق قضاة مصر ولافتات مؤيدة للإعلان الدستورى الذى لم يكن أحد من الشعب المصرى يعلم عنه شيئًا حتى نائب الرئيس محمود مكى وبعض مستشارى مرسى الذين قدموا استقالتهم تباعًا عقب هذا الإعلان المشئوم والذى صاغه أعضاء مكتب الإرشاد وكان دور مرسى فيه هو التوقيع عليه فقط ثم الدفاع عنه ببسالة أمام الملايين من أبناء الشعب الذين خرجوا فى التالى اعتراضًا ورفضًا لهذا الإعلان، فقد استشعرت الغالبية العظمى من أبناء مصر خطورة ما حدث وأدرك الجميع أننا أمام كارثة حقيقية وأمام ديكتاتورية من نوع آخر، فالعداء التاريخى بين الإخوان والقضاء جعلهم يتناسون أن قضاة مصر الأجلاء من حكموا بالبراءة عليهم فى الكثير من القضايا وتناسوا مثلا أن فى ديسمبر 2006 أحال مبارك 40 من قيادات الإخوان المسلمين إلى المحاكمة العسكرية بصفته الحاكم العسكرى للبلاد ثم قضت محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة فى 8 مايو 2007 برفض تنفيذ قرار رئيس الجمهورية، وتناسوا كذلك أن قضاة مصر هم أنفسهم الذين أشرفوا على الانتخابات الرئاسية وأقسم أمامهم مرسى اليمين الدستورية، وبداية الخلاف التاريخى بين الإخوان والقضاء يرجع إلى عام 47 عندما أصدر القاضى أحمد بك الخازندار حكمًا على بعض المنتمين لجماعة الإخوان فقررت الجماعة اغتياله فى مارس 48، وتلى اغتيال القاضى الخازندار محاولة الإخوان نسف محكمة استئناف القاهرة فى يناير 49 والتى كانت تحتوى على ملفات واعترافات أعضاء الإخوان الذين كان قد تم ضبطهم فيما عرف بقضية السيارة الجيب وهى سيارة كانت مليئة بالسلاح والذخائر والمتفجرات المنقولة إلى بيت أحد أعضاء التنظيم الخاص بالعباسية إلا أن قدر الله جعل هذه السيارة تصاب بالعطل ليكتشف أحد جنود الشرطة محتوياتها ويتم القبض على ركابها الذين اعترفوا بأنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان وتحديدا إلى التنظيم الخاص الذى يقوده عبدالرحمن السندى، واعترفوا كذلك بأن هذه الأسلحة كانت تعد لعمليات قتل سياسى وتخريب منشآت حكومية ومحطات مياه ولدور سينما، وقد زعم الإخوان أن هذه القضية ملفقة وأن النقراشى اتخذها ذريعة لاتخاذ قرار بحل الجماعة واعتقال أعضائها وتأميم ممتلكاتها، وهذا القرار الذى اتخذه رئيس وزراء مصر العظيم محمود فهمى النقراشى كان سببًا فى اغتياله على يد أحد أعضاء الإخوان.. ونصف النقراشى بالعظيم لأن أحدًا لا يعرف سيرته وكفاحه، فهذا الرجل كان مدرسًا للرياضيات فى الإسكندرية وجاء سعد زغلول وزير المعارف لزيارة المدرسة التى كان يعمل بها النقراشى وسأل الطلاب فى مسألة رياضية صعبة فإذ بالطلاب يجيبون عن مسألة سعد بمنتهى البساطة فأعجب سعد بالمدرس الشاب وقال له مكانك ليس هنا واصطحبه للعمل فى ديوان الوزارة وترقى النقراشى حتى أصبح وزيرًا للمالية ووزيرًا للمعارف ووزيرًا للداخلية فى حكومات متعاقبة ثم رئيسًا للوزراء أكثر من مرة انتهت باغتياله فى 28 ديسمبر 48، وقد واجه هذا الرجل تحديات كثيرة أهمها إعلان دولة إسرائيل وما تبعه من تباين فى آراء أبناء الأمة بين مؤيد لضرورة المواجهة العسكرية وبين رافض لهذا الأمر وكان النقراشى يرى أن مهمة جيش مصر هى الدفاع عن أرض مصر فى الوقت الذى كان البنا ينظم المظاهرات والمسيرات التى تدعو الملك فاروق للحرب والجهاد فى فلسطين وخرجت مجلة الإخوان بصورة لفاروق وقد أطلق لحيته ووصفوه بأنه الخليفة القادم وجعلوه يناصر فكرة الجهاد وسفر الجيش المصرى للحرب فى فلسطين بينما دفع النقراشى حياته ثمنًا لمعارضة الإخوان الذين يملكون قدرة عجيبة على لى عنق الحقيقة وترويج الشائعات والتأكيد على أنها هى الحقيقة تمامًا مثلما فعلوا مع عبدالناصر حين اتهموه بتدبير حادث المنشية فى 54 واعتبروها تمثيلية قام ببطولتها للخلاص منهم، وللأسف الشديد أن بعض الناس صدقوا هذا لأن العقل المصرى دأب على عدم تصديق الرواية الرسمية حتى وإن كانت واضحة أمام أعيننا، ومن غرائب الإخوان أنهم يمتدحون القضاء إذا أنصفهم ثم يلعنوه إذا أدانهم، فواقعة السيارة الجيب التى كشفت التنظيم الخاص أحيلت لمحكمة مدنية، واتهم فيها أكثر من ثلاثين شخصًا من قادتهم ثم أصدرت حكمًا يصفونه بالتاريخى حيث برأ القاضى غالبية المتهمين وحكم على أفراد قليلين بأحكام مخففة وذكر القاضى فى حيثيات حكمه بأن السلاح المنقول فى السيارة كان لغرض وطنى هو مكافحة الاستعمار، ورغم مثل هذه الأحكام فإن العداء استمر بين الإخوان والقضاء وبرز ذلك فى التسجيل المسرب لمرشدهم السابق مهدى عاكف، وهو يقول علينا أن نتخلص من 3000 قاض بتخفيض سن المعاش وتعيين بدلاء لهم من أتباعنا.
وإلى الملتقى