«لنلعب البلياردو يا تريزا ماي»، هذه العبارة كتبها رئيس الوزراء الإيطالى جوزيبى كونتى تعليقًا على صورة نشرها على حسابه الشخصى بـ«تويتر» كانت تجمعه مع رئيسة الوزراء البريطانية بينما كانا يلعبان البلياردو بعد انتهاء أعمال اليوم الأول للقمة العربية الأوروبية.
الدلالات التى تحملها الصورة تتجاوز الخبر الذى تنطوى عليه إلى نتائج أول قمة أوروعربية والتى ظهرت فى إعلان شرم الشيخ لتجسد قناعة أوروبا بأن ما يجمعها مع العرب ليس فقط أكثر مما يفرقهما وإنما يتخطى المشتركات الثقافية والحضارية التقليدية بينها وبين دول شمال أفريقيا، حيث أصبحت قضايا الإرهاب والهجرة غير الشرعية والصراعات التى تعيشها المنطقة العربية بدءًا من القضية الفلسطينية وصولًا إلى اليمن وسوريا وليبيا تمثل تحديات مشتركة تفرض على الجميع التعاون لمواجهتها.
بالأمس القريب كادت قضية مقتل الباحث الإيطالى جوليو ريجينى على يد مجهولين تعصف بالعلاقات الإيطالية المصرية إثر تلقى وسائل الإعلام فى روما رسائل بريدية مجهولة المصدر تتهم السلطات المصرية بالتورط فى الحادث، وأصدرت رئيسة الوزراء البريطانية قرارًا بمنع سفر رعايا المملكة المتحدة إلى مصر بهدف السياحة على إثر تفجير الطائرة الروسية بعد إقلاعها بدقائق من مطار شرم الشيخ.
اليوم ترسل روما ولندن أرفع مسئوليها إلى مدينة السلام شرم الشيخ ليشاركا تحت مظلة الاتحاد الأوروبى فى أعمال أول قمة أوروبية عربية لصياغة أسس جديدة للعلاقة بين المنطقتين بعد أن شعرت أوروبا بأكملها أنها ليست بعيدة عن خطر الإرهاب وأدركت أن تحذيرات الرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن تحول الإرهاب إلى ظاهرة عالمية باتت أمرًا واقعًا.
القمة التى جمعت بين قادة 50 دولة وتابعناها على مدار يومين كانت حصاد جهد مصرى شاركت فيه كل مؤسسات الدولة المعنية طوال أكثر من عامين، فى سياق تحركات مصرية منذ ثورة الثلاثين من يونيو لم تستهدف فقط مواجهة ادعاءات التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية وبعض الحكومات الغربية بأن ما جرى انقلاب على السلطة الشرعية، وإنما لتقديم دلائل تؤكد أن إرهاب جماعة الإخوان لا يشكل تهديدًا على مصر فقط وإنما يمتد إلى مختلف دول العالم، وأن غيرها من التنظيمات كداعش تمثل فرعًا من أصل هو التنظيم الدولى للجماعة.
الجهود المصرية نجحت خلال أكثر من 5 اجتماعات لوزراء خارجية دول المنطقتين العربية والأوروبية فى إقناع القارة العجوز بأن أمنها القومى صار مرتبطًا بالأمن القومى العربي، وهو ما عبر عنه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر بقوله أمن ورخاء أوروبا من أمن ورخاء الدول العربية.
وقد كشف إعلان شرم الشيخ حيوية الدور المصرى حيث جاء كوثيقة شارحة لما ورد فى كلمة الرئيس السيسى التى ألقاها فى اليوم الأول لأعمال القمة، حيث أكد على توافق أوروبا والدول العربية على ضرورة مكافحة مصادر تمويل الإرهاب وهو ما شدد عليه السيسى فى كلمته عندما حذر من مواجهة قاصرة تهتم بالعنصر الأمنى والفكرى وتغفل مواجهة مصادر التمويل التى توفر ملاذًا سياسيًا وغطاءً إعلاميًا.
البيان الختامى جاء متوافقًا مع الرؤية المصرية بشأن إعداد خطط وبرامج للتعاون على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية بين الدول الأوروبية والعربية على أساس التكامل لا التنافس، واعتمادًا على الدولة الوطنية المنوط بها حماية الحدود وتنفيذ القانون ومقاومة الإرهاب وتطبيق مبادئ المواطنة وحقوق الإنسان وهو ما ورد فى كلمة الرئيس.
المتأمل فى إعلان شرم الشيخ وكلمة الرئيس السيسى يجد أنه اقترب من وضع صياغة للمقاربة التى دعى إليها من أجل مكافحة الإرهاب فى إطار عمل مشترك يراعى مصلحة الجميع، وظنى أن مصر نجحت فى صياغة مفهوم جديد يتجاوز الحدود الجغرافية للمنطقتين وهو الأمن القومي «الأوروعربي»، وقد يتبلور على جسر التحديات المشتركة.
ومن يدرى فقد يتطور هذا المفهوم ليشكل تجمعًا عربيًا أوروبيًا تحت مظلة اتحاد أو منظمة تضم ثلاث قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا التى تمثلها الدول العربية ويكون له الدور الفاعل فى بناء علاقة مع أفريقيا قائمة على المصالح المشتركة من خلال الاتحاد الأفريقي.
ربما يكون من السابق لأوانه التفكير فى هذه النقطة، لكن وكما ساعدت تكنولوجيا الاتصال الحديثة على خلق العولمة الاقتصادية والثقافية، قد يكون تحدى الإرهاب وما نتج عنه من أوضاع سياسية وأمنية غير مستقرة عاملا لخلق مفهوم مختلف للعولمة، أو على الأقل التوحد بين الأقاليم المتجاورة على أسس التعاون والتكامل لا التنافس والاستغلال لمصلحة الطرف الأقوى كما هو الحال فى العولمة الاقتصادية.
وحتى نصل إلى تلك النقطة سيكون لأول قمة أوروبية عربية انعكاساتها الإيجابية على إعادة بناء الجامعة العربية وتطوير أدواتها كمنظمة إقليمية طالما اشتكى الجميع من ضعفها، ذلك أن العمل مع الاتحاد الأوروبى يتطلب جهدًا داخليًا لتنسيق المواقف بين الدول العربية الأمر الذى افتقدناه طويلًا ويبدو أنه فى طريقه إلى العلاج، حيث عكست كلمات الدول العربية توافقا فى الرؤية، وفى رأيى أن فترة الإعداد لقمة بروكسل القادمة ستعمل على إتاحة الفرصة للجامعة العربية لإعادة تصحيح أوضاعها على نحو يكسبها آليات جديدة، كما ستكون الدول العربية أحرص من أى وقت مضى على تفعيل أسس العمل المشترك وتنسيق المواقف حتى تذهب إلى القمة الثانية ولديها ما تقدمه.
مصدر هذا الحرص أن نص إعلان شرم الشيخ على ضرورة مواجهة مصادر تمويل الإرهاب وملاذاته السياسية والإعلامية، يفرض طوقًا أوروبيًا عربيًا على قطر وتركيا بوصفهما داعمتين للجماعات الإرهابية وعلى إيران وإن لم يأت ذكرها صراحة فى البيان الختامى كونها الداعم الرئيسى للحوثيين فى اليمن وأحد مصادر عدم الاستقرار السياسى والأمنى فى منطقة الخليج.
علاوة على ذلك فإن تأكيد الدول الأوروبية من خلال البيان الختامى على ضرورة حل القضية الفلسطينية بموجب قرارات الشرعية الدولية والاعتراف بكونها قضية مركزية للدول العربية، إضافة إلى توافقها على ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة فى كل من سوريا وليبيا واليمن وحل صراعاتها داخل الأطر السياسية وطبقا للقرارات الأممية يعزز من ركائز الأمن القومى العربى ويقود أى محاولات أمريكية لفرض سياسة الأمر الواقع فيما يخص القضية الفلسطينية طبقا لتصورها أو ما عرف إعلاميا بـ«صفقة القرن»، وربما هذا ما دفع مبعوث الرئيس الأمريكى للشرق الأوسط جاريد كوشنر إلى التصريح أثناء انعقاد القمة بأن لدى بلاده خطة لحل القضية الفلسطينية تعتمد على ترسيم الحدود وتوحيد أراضى الضفة الغربية وقطاع غزة ومشروعات اقتصادية يستفيد منها الجميع، رافضًا الإفصاح عن المزيد خشية إفساد الخطة الأمريكية.
Ali.elfateh2017@gmail.com