المعارك الانتخابية ليس فقط بكلمة الصندوق أو بعدد العيون التى ترصد حركة التصويت، فالانتخابات ليست بنتيجتها، ولكن تُقاس بقدرتها على غرس وتعميق معانيها فى ترسيخ الديمقراطية.
ونقابة الصحفيين المصرية أروع الأمثلة على هذه الصحوة وبحكم تكوينها التنظيمى وبنائها القائم على اليقظة الدائمة على حقوق المجتمع.. فهو فرض عين وليس فرض كفاية.
فى مصر تجد انتخابات تفتح الشهية للمجتمع كله رغم أنها انتخابات نقابة مهنية، انتخابات تفتح النفس وأحيانًا يتصادف أن تسد النفس.
استيقظت على صحوة انطلقت من أرجاء البيت الصحفى بمقر النقابة عام 1971م أى ما يقرب من 48 عامًا لانتخابات أول مجلس نقابة بعد تولى الرئيس السادات وأجرى تعديلات على نظم حكمه بما عرف ثورة التصحيح اتخذ خطواته سواء على المستوى القضائى استحدث المدعى العام الاشتراكى، وأسنده للدكتور مصطفى أبوزيد وإحراق التسجيلات التى تتصنت على المواطنين وأعاد ترتيب الداخلية وقواعدها بإشراف اللواء ممدوح سالم وفتح مبنى مجلس قيادة الثورة، ليكون مقرًا لإجراء التحقيقات ضد من أسند إليهم الاتهامات التى رأسها الأستاذ حافظ بدوى ليتولى مجلس الأمة بعد عزل القيادات، وأول من وقع عليه إجراء انتخابات داخلية هى نقابة الصحفيين وأشهر المواقف لمجلس النقابة ذلك الاجتماع الذى عقد فى 1968م وخصص لمناقشة احداث الوضع السياسى ودور الصحافة وقد طالب الاتحاد الاشتراكى بالمجلس الذى سبقه فى عام 1967، برفع الرقابة على الصحف إلا فيما يتعلق بالأخبار العسكرية وواجب الأمانة يقتضى بأن هذا المجلس قد أثبت مواقف أستاذنا أحمد بهاء الدين بأنه لا ينتمى إلى مدرسة (العصا من الوسط) رغم أنه يرى تأييد الثورة، ويرى فى الإساءة لعبدالناصر إساءة للعرب وتاريخهم، وقد غضب عبدالناصر حينما قد طلب من عبدالناصر القبض على أحمد بهاء الديم فغضب وقال لا تقبضوا عليه ولا أى من أعضاء مجلس النقابة.
وقبل بهاء الدين الذى اختاره عبدالناصر هو ومجلسه دون انتخاب حيث كان مجرد تسمية من الاتحاد الاشتراكى بالتزكية عقب انتهاء مدة استاذنا الكبير حافظ محمود الذى كان يعيش داخل النقابة أكثر من بيته ويكمل منظومة الأب الحنون أستاذنا محمد عبدالمنعم رخا الذى كان رسومه بمثابة صوت الشعب ضد أى من يقف ضد مسيرة الديمقراطية، وأستاذنا النقابى الذى لا يتكرر إبراهيم البعثى الذى كان يقيم فى النقابة ساعات تزيد على 12 ساعة رغم دوره المهنى فى دار الهلال وإهماله علاجه، وهو أكثر نقابى قدم خدمات لزملائه، ويكفى مدينة الصحفيين بالمهندسين فضلًا عن جهوده فى تحقيق البناء الإدارى للنقابة وإدراك الحقوق التى كفلها القانون الصحفى وتأكيد هيبته ورعاية المواهب وتشجيع الشباب وفتح الفرص أمامهم وكان له الفضل فى إرساء حجر الأساس فيها.. وإبراهيم البعثى تاريخ لا يمكن أن يغفل عنه فى سجل الصحافة المصرية، ولا ننسى أستاذنا حافظ محمود من قضايا تخاطب شعب مصر فهو أول شخصية كوكيل للنقابة فتح أبوابها لاعتصام المرأة المصرية وقد أخطر على باشا ماهر رئيس الوزارة للحضور إلى للمقر، وأعلن التزامه بأن الحكومة ستقدم مشروع قانون بإعطاء المرأة حقوقها، وتحقق ذلك عقب أول دستور بعد الثورة 1956م، ولولا النقابة لما تهيأ المناخ لمثل هذه الإنجاز الوطنى، وحظر التعامل لرجال النيابة العامة مع الصحفيين ومن على شاكلتهم من خلال خطابًا للنائب العام وركز فيه أن (شاكلتهم) تسىء إلى المهنة لأن الصحفى له تعريف فى التشريع الخاص بهم وأنت يا معالى النائب العام أن القاعدة تقول «الخاص يقيد العام» وتمت تسوية الوضع فورًا، ومن وجهة نظرى أنها أعظم الفترات التى مرت على النقابة وحتى بعد تركه للمنصب وقف أمام السادات حينما طرح تحويل النقابة لنادى، وقال له: يا عزيز مصر وشرح وجهة نظره وابتلع الرئيس وصف حافظ محمود بأنه العزيز، وأدار الرائع الراحل جلال عيسى نداء الرئيس موقعًا من أعضاء الجمعية العمومية يطالبون بإعادة النظر فى القرار ونشر بالأخبار على مسئولية أستاذنا موسى صبرى، وكان لى الشرف إخطارهم بموعد النشر المناسب، حيث كنت مندوب الرئاسة ونشر نداء الصحفيين للسادات، وقال: أنا موافق على أن تبقى النقابة بشكلها القانونى.
والآن.. هى أيام وتجرى انتخابات الصحفيين بمناخ مهنى خالص، والجميع هذه الدورة عقدوا العزم على فلسفة (لم الشمل) وكل من يدرك ظروف البلاد المهنية يدرك أن إرادة الصحفيين لا بد أن تتحقق، وأن يكون شعارهم «واعتصموا بحبل نقابتكم ولا تفرقوا» واعتصموا بحبل الكلمة الوطنية.. ولا تفرقوا.