كل الدماء البريئة لضحايا العمليات الإرهابية لن تدفع حمرة الخجل إلى وجوه مثل السيدة «آن باترسون» وغيرها من الأسماء التى تدور حول «المهام الاصلية» لها ألف علامة استفهام بعيدة عن عنوان المهنة الرسمى التى يحملونها سواء دبلوماسية أو إعلامية. أسطوانة مشروخة.. بضاعة فقدت صلاحية استهلاكها، لا تجد من يُقبِل عليها سوى «نخاس» صغير يسعى بأمواله لاكتساب أى مكانة. «عرابة الإخوان» السفيرة الأمريكية السابقة، «باترسون» نجحت خلال وقت قياسى فى حصد غضب الشعب المصرى بمهارة تُحسد عليها، لتطوى بفشلها صفحة مشينة ومريبة للدبلوماسية الأمريكية.
قبل تعليق الكلمات على «شماعة» نظرية المؤامرة، يجدر الذكر بأن دور «باترسون» الحقيقى لم يكن يمت لمهام الدبلوماسية بصلة، وإن حمل صفتها، بدليل رفض الكونجرس، ترشيحها لمنصب رفيع فى البنتاجون، ما يمثل اعترافا صريحا ومباشرا من المؤسسة الدستورية الأولى فى أمريكا بأن «باترسون» لم تكن فى مصر مبعوثا دبلوماسيا تتصدر أولويات مهامه توطيد الصلات المشتركة، وتمثيل بلاده فى إطار تحركات يدعم الصلات الإيجابية بين شعوب وحكومات البلدين.
الصحفى الأمريكى الشهير «بوب وودوارد» يذكر فى سياق كتابه «خطة الهجوم» اعتراف أدلى به جورج بوش الابن، لأحد كبار المسئولين العرب «أى مسئول أمريكى لا يصرح بالحقيقة إلا بعد تحرره من المنصب الرسمى».. لكن الأمر اختلف مع «باترسون»، إذ يبدو أن هيستيريا الفشل الذى اصطدمت به فى مصر بعد محطات من العمل فى دول عديدة، أخرجها ليس فقط عن إطار هذه القاعدة، بل عن كل حدود المنطق. دوافع سموم و«هلوسة» باترسون تجاه مؤسسة الجيش الوطنية معروفة الجهة.. هى المؤسسة التى حفظت مصر بما يوافق إرادة شعبها بعيدا عن أى تأثيرات خارجية. أقصى حالات الإنكار أو«العمى السياسى» الذى يدور فى فلكه أمثال باترسون، الفرق الشاسع بين انحياز الجيش إلى إرادة الشعب منذ 2011 حتى هذه اللحظة، ملتزما بعقيدته التى تتبنى حماية وضمان تحقيق الإرادة الشعبية، وبين انخراط الجيش فى السياسة. الإرادة الشعبية التى تتعامى عنها أو تتعالى عليها بعض الأصوات فى أمريكا، وتدفعها إلى إلغاء 35 مليون مواطن بجملة واحدة، تستدعى إلى الذاكرة المشهد الشعبى العام فى أمريكا خلال حرب فيتنام.. هل دفع الجيش الأمريكى 35 مليون مواطن إلى الشوارع فى أجواء احتجاجات شعبية هائلة رافضة التورط فى حرب فيتنام، وكانت مستلهمة من إرادة المواطن، وإدراكه للمستنقع الذى تورطت أمريكا بدخوله.. حتى امتدت موجة الاحتجاجات من السياسة إلى الإعلام والفنون والثقافة.. دون أن يجرؤ أى سياسى على توجيه أصابع الاتهام إلى الجيش الأمريكى، رغم أن الثانى عاد أيضا محملا بمشاعر السخط نتيجة تدخل عقيم أذاقه مرارة الهزيمة.
لا ينقطع تمسح «باترسون» ببركة مرشدى الجماعة وهى تصر على تأكيد معلومة لا تمت للحقيقة بصلة بالنسبة للانتخابات فى مصر، وإذا ما كانت السفيرة السابقة تمتلك أدلة كاشفة عن نزاهة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2012 بما يحسم الشكوك والتسريبات التى أحاطتها حول النتائج، لماذا لم «تتكرم» بعرضها خلال هذه الحلقة النقاشية التى نظمها مركز التقدم الأمريكى، فى واشنطن.
منذ 2013 حتى الآن تتوالى مشاهد الانقسامات على الهيكل الداخلى لتنظيم جماعة الإخوان.. بل إن مظاهر التفتت بين مجموعاته وصلت حتى إلى إزالة الأوجه الزائفة التى كان يبرع فى تقديمها للغرب! وهو ما ظهر فى طبيعة عمليات الجناح المسلح للإخوان مؤخرا، حيث قدمت دليلا واضحا على التوافق فى الاستراتيجية مع عمليات سائر التنظيمات الإرهابية، ما يثبت حقيقة وحدة جذور هذه الكيانات الشيطانية، والتى اقتضت مصالح «باترسون» إطلاق صفة «المتمردين» على أفرادها.. السؤال البديهى الذى لا تجرؤ «باترسون» الرد عليه، ألم تسمع إعلان هؤلاء «المتمردين السلميين!» الانتماء إلى التنظيمات التى خططت ونفذت هجمات 11 سبتمبر فى امريكا؟
إن كل المكاسب التى حققتها مصر على صعيد المشهد الدولى، تفرض على القوى الكبرى مراجعة اختياراتها بحكمة، وإدراك أنه لم يعد مقبولا السماح لكل من هب ودب تدنيس الأمن القومى ومؤسساته الوطنية.. فالبلاد التى لا تزال يصدر عنها «نعيق» بعض تجار السلع الفاسدة، مطلوب منها إعادة النظر فى نزاهة ممثليها فى مصر مستقبلا.