عند قراءة العنوان قد يتبادر إلى الذهن «كنوز الفراعنة» المدفونة بأرض الصعيد، والتى تنقب عنها الدولة ممثلة فى وزارة الآثار، أو حتى عصابات التنقيب والأهالى بالمخالفة للقانون، لكن قصدى ومرادى من «كنوز الصعيد» هى تلك الموارد المتروكة والمهملة والتى تتمثل فى الموارد البشرية والطاقات العاملة من الشباب، وكذلك الأراضى الخصبة، والمياه المتدفقة فى نهر النيل أو تحت باطن الأرض أو ما يطلق عليه المياه الجوفية.
وفى الوقت الذى يفزعنا فيه، ضبط لصوص حاولوا التنقيب عن الآثار، لتحقيق حلمهم فى الثراء السريع، نطالب وزارة الآثار بتوسيع رقعة البحث والاستكشاف لآثارنا المدفونة فى كل ربوع مصر وخاصة بالصعيد الذى يحوى أغلب آثار المحروسة بل ونسبة كبيرة من آثار العالم كله، حيث إن هناك الكثير من مناطق مصر الأثرية والسياحية لا يتم زيارتها، وليست على خريطتها السياحية، وأصبحت فى طى الكتمان، إما جهلًا بها أو تكاسلًا عن تسويقها ووضعها داخل البرامج السياحية.
ومن كنوز الصعيد أيضًا، الثروات التعدينية، كالحديد والمنجنيز، والذهب، والنحاس والكروم والفوسفات، وكذلك البترول والغاز الطبيعي، حيث تكثر رواسب الحديد فى مصر حسب مصادر علمية فى 3 مناطق رئيسية هى شرق أسوان والواحات البحرية والصحراء الشرقية، وتتركز فى 15 موقعًا شرق أسوان، كما يوجد الذهب فى أكثر من 90 منجمًا فى الصحراء الشرقية، وأهمها جبل السكرى وهو جبل على بعد 30 كيلو متر جنوب غرب مدينة مرسى علم بمحافظة البحر الأحمر، وأيضًا هناك انتشار واسع للفوسفات على هيئة حزام من الرواسب يمتد إلى مسافة حوالى 750 كم على ساحل البحر الأحمر، وخاصة فى جبل ضوى ومنطقة العطشان والحمراوين، وتقدر الاحتياطيات من 200 إلى 250 مليون طن، وغير ذلك الكثير والكثير من العناصر والمواد ذات الأبعاد الاقتصادية المهمة جدًا والتى أنعم الله بها على مصر عامة وعلى صعيدها خاصة، فنحن دولة يسير مواطنوها على كنوز من الذهب تحت أقدامهم»، حيث تمتلك عشرات المناجم من الذهب وغيره من المعادن النفيسة.
كل هذه الكنوز ظلت منسية على مدى سنوات كثيرة وحكومات متعاقبة، وظلت كلمة تنمية الصعيد، مجرد عبارة لا تظهر إلا للشو الإعلامي، ولم تظهر بشكل جدى على أرض الواقع، وظلت محافظات الصعيد، «من أسوان جنوبًا إلى الجيزة شمالًا، مرورًا بقنا والأقصر وسوهاج وأسيوط، والمنيا، وبنى سويف، الوادى الجديد والبحر الأحمر»، محرومة من مختلف مظاهر التنمية طيلة 40 عامًا، عانت فيها من الإهمال والتهميش، بعدما تركزت التنمية فى محافظات الوجه البحرى والقاهرة.
محافظات الوجه القبلى التى يسكنها ما يقارب ثلث سكان مصر، شعروا مؤخرًا بجهود الدولة وإدارتها السياسية، فى التنمية فى مختلف المجالات، وهو ما أثلج صدورهم وخاصة مع افتتاحات الرئيس عبدالفتاح السيسي، لمشروعات قومية كبرى لديهم، وإنشاء هيئة لتنمية الصعيد لوضع هذه المحافظات فى قلب التنمية، لكن الآمال مازالت كبيرة مطالبين الحكومة بالعمل على تعويضهم سنوات الحرمان والتجاهل.
تنمية الصعيد لن تسعد أهلها فقط بل ستسعد الحكومة أيضًا، وستصبح حكومة محظوظة إذا ما استغلت هذه الكنوز الهائلة فى هذه الأرض البكر، المليئة بالخيرات فتنمية الصعيد تعنى تضاعف الناتج القومى الإجمالى وسداد كل أو أغلب ديون مصر فى سنوات معدودة، وغياب عجز الموازنة الذى يؤرق الحكومة، كما أنها ستوفر الملايين من فرص العمل لشباب الصعيد والوجه البحرى معًا بل وربما لدول أخرى مجاورة.
الصعيد يا سادة لا يحتاج إلا إلى عدد من المشروعات فى مجالات البنية التحتية كالصرف الصحى والتعليم والنقل والطرق والتخزين وخدمات الصحة والمياه، وإنشاء موانئ على البحر الأحمر، وخطوط سكة حديد فائقة السرعة للربط بين محافظات الصعيد وباقى مدن الجمهورية، وإقامة مناطق صناعية وصناعات متوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر، ووضع خريطة استثمارية وخط استراتيجية طويلة وقصيرة المدى لتلك المحافظات، يراعى فيها مميزات كل محافظة على حدة، ليقبل عليه المستثمرون جماعات وأفرادًا من كل أنحاء الدنيا طمعًا فى استغلال خيراته، ما ينتج عنه مباشرة محاربة الفقر والبطالة وخلق فرص استثمارية كبيرة.
كما يحتاج الصعيد، إلى استغلال الظهير الصحراوى بالتعمير، لأن التكدس السكانى على جانبى النيل أصبح مخيفًا للغاية ولابد من التوسع فى هذا الظهير الصحراوي، وتوفير طرق ومطارات، تربط المناطق الصناعية، بمنافذ التسويق، ومنح حوافز للمستثمرين الراغبين فى العمل بالصعيد، فضلا عن الاهتمام بالتعليم الفني، لسد حاجة سوق العمل.
ويوجد بالصعيد فرص استثمارية زراعية وصناعية وسياحية وحرفية، يمكنها تحقيق حجم التنمية لمصر عامة ومحافظات الصعيد خاصة لتبقى عامرة ومستقرة وغير طاردة للسكان، كما أن الفرص المتاحة بالصعيد، تصل إلى تريليونات الجنيهات، ويمكنها امتصاص البطالة التى سبب كل المشاكل ومنها الإرهاب والتطرف.