تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
«فلتذكرونى عندما تجد الفضائل نفسها أضحت غريبة.. وإذا الرذائل أصبحت هى وحدها الفضلى الحبيبة.. فلتذكرونى حين تختلط الشجاعة بالحماقة.. وإذا المنافع والمكاسب أثقلت ميزان الصداقة.. فلتذكرونى حين يختلط المزيف بالشريف وحين تختلط الحقيقة بالخيال.. وإذا غدا البهتان والتزييف والكذب المجلجل هن آيات النجاح.. فلتذكرونى عندما يفتى الجهول.. وحين يستخزى العليم وحين يستحلى الذليل وإذا اللسان أذاع ما يأبى الضمير من الكلام» لا أدرى لماذا تذكرت هذه الأبيات التى صاغها الكاتب الراحل العظيم عبدالرحمن الشرقاوى، على لسان الإمام الحسين فى مسرحيته «الحسين شهيدا»، وذلك حين وجدت موجة جديدة من الأكاذيب تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعى، وتسرى بين الناس عقب الحوادث الإرهابية الخسيسة التى تمت مؤخرا، حيث تروج هذه الأكاذيب لفكرة أن الحكومة هى التى وراء ما يحدث بهدف تمرير التعديلات الدستورية، وكأن الحكومة فى حاجة لهذه الحوادث كى تتم الموافقة على هذه التعديلات!! وغاب عن هؤلاء الذين يرجون مثل هذه الشائعات أن الحكومة المصرية فى أمس الحاجة للمليم، وليس للجنيه فكيف بها تخسر الملايين من جراء حوادث تؤثر على السياحة وعلى الاستثمار، حقيقة الأمر أن هذه الأكاذيب ليست جديدة علينا فقد ابتدعتها جماعة الإخوان منذ تكوين جهازها السرى، وتولى عبدالرحمن السندى مسئوليته، فقد كانوا يطلقون الشائعات التى تدحض الرواية الرسمية اعتمادا على أن المصريين لا يصدقون عادة الروايات الرسمية، وهذه هى إحدى الملاحظات المهمة التى دونها الفرنسيون فى موسوعتهم «وصف مصر»؛ حيث رصدوا عدة خصال عن المصريين كالفصال عند البيع والشراء والخوف من الحسد والحلف الكثير وعدم تصديق الروايات الرسمية، وقد استغل ذلك أعضاء جماعة الإخوان بعد مقتل القاضى أحمد الخازندار بالقرب من بيته فى حلوان، صبيحة يوم الثانى والعشرين من مارس عام 1948 على يد شابين أطلقا الرصاص على الرجل ثم لاذا بالفرار، ولكن أهالى حلوان ظلوا يطاردونهما حتى تمكنوا من الإمساك بهما رغم أن أحدهما قد ألقى قنبلة على المطاردين له، ولكن ستر الله أنها لم تنفجر، والثانى أطلق الرصاص من مسدسه بطريقة عشوائية، ولكن ستر الله أيضا أنه لم يصب أحدا، وفى النهاية استسلما واعترفا تفصيليا بالجريمة، وبأنهما أعضاء فى جماعة الإخوان وأن الشيخ حسن البنا قد قال نصا فى أحد اجتماعاته «هو مافيش حد يخلصنا من الخازندار»، وكان القاضى الخازندار ينظر قضايا تخص بعض المنتمين لهذه الجماعة، ويصدر أحكاما يرونها قاسية عليهم، وقد استدعى البنا للتحقيق فأنكر صلته بالمتهمين، وأنكر أن يكونا من الإخوان، ثم انطلقت شائعة، مفادها بأن حكومة النقراشى هى من دبرت الحادث بغية القاء القبض على أعضاء جماعة الإخوان، تنفيذا لأوامر أمريكية إنجليزية، ورغم ابتعاد الشائعة عن المنطق، فإنها وجدت الصدى الذى أراده الإخوان حينها، والذى يدر تعاطفا معهم باعتبارهم ضحايا لمؤامرة عالمية ضد الإسلام، وحين تم اغتيال النقراشى رئيس وزراء مصر، كتب حسن البنا مقاله الشهير «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين»، مستنكرا الحادث ومتبرأ من فاعله الذى اعترف بكافة التفاصيل، وتكرر الأمر مرة أخرى فى 54، حين حاولوا قتل عبدالناصر فيما سموه بـ«تمثيلية المنشية»، وهل يعقل أن يتفق عبدالناصر مع شخص ما على أن يطلق الرصاص عليه أثناء احتفال عام بهدف القبض على قيادات الإخوان، هل كان عبدالناصر فى حاجة لمثل هذه التمثيلية كى يفعل ذلك؟ ألم يمكن بمقدوره أن يجد لعبة أخرى لا تحمل هذه المخاطر، والتى قد تؤدى بحياته لو أن رصاصة أصابته؟.. ورغم اعتراف الجانى وأفراد الخلية الذين أمدوه بالسلاح والفتوى والخطة، إلا أن الشائعة التى أطلقها أعضاء الإخوان صارت تكبر مع الأيام وصدقها البعض للأسف الشديد، وكلما تكرر الحديث عن هذه الحادثة تجد من يسألك أهى حقيقة أم تمثيلية قام بها عبدالناصر لتنحية الإخوان جانبا بعد الثورة، وهذا السؤال معناه أننا صدقنا الكاذب رغم وجود اعترافات مثبتة فى المحكمة وبها كافة التفاصيل، وأذكر أنه فى ثمانينيات القرن الماضى، وفى التسعينيات، حين عمت البلاد موجة من الإرهاب الأسود عقب اغتيال الرئيس السادات فى 81، أن الجماعات المتأسلمة كانت تطلق نفس الشائعة، فتدعى أن الحكومة هى التى تدبر هذا الحادث أو ذاك كذريعة لتمديد حالة الطوارئ تارة، أو كى يحصل الحزب الوطنى على الأغلبية فى الانتخابات القادمة تارة أخرى، أو كى يتم تغيير وزير معين، أما الجناة الذين يتم القبض عليهم ويعترفون بفعلتهم فهم مساكين، قد تم إجبارهم على الاعتراف ونالوا أحكاما ظالمة، والغريب أن هؤلاء جميعا كانوا يتأهبون بأفعالهم الخسيسة، فكتبوا ذلك فى مذكراتهم واعترفوا بجرائمهم فى برامج تلفازية موجودة حتى يومنا على «اليوتيوب»، وذلك بعدما أطلق الإخوان سراحهم أثناء الفوضى التى عمت مصر فى 2011 واستمرت حتى 30 يونيه 2013، ومن هؤلاء الذين اعترفوا بفعلتهم أثناء محاكمته القيادى بالجماعة الإسلامية صفوت عبدالغنى، والذى اتهم باغتيال رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب، ومع ذلك سرت شائعة وقتها، أن الحكومة هى من دبرت الحادث لأن الرئيس مبارك، كان يريد الإطاحة بالمحجوب، ومنطق الشائعة يثير الضحك، فرئيس الجمهورية من حقه إقالة أو تغيير أى مسئول بالدولة، وقد فعل ذلك مع المشير أبوغزالة وهو الرجل القوى فهل كان عاجزا أن يفعل ذلك مع المحجوب؟!! ومع ذلك فقد صدق الناس الشائعة وخرج عبدالغنى من السجن، وعينه محمد مرسى عضوا بمجلس الشورى، وأسس حزب «البناء والتنمية»، وصار من النخبة وقت حكم الإخوان، واستضافته الإعلامية منى الشاذلى فى أبريل 2013 أى قبل قيام ثورة 30 يونيه بشهرين فقط، وقال بالحرف الواحد: «أنا لا أنكر أننى حملت السلاح ضد مبارك والفساد وفخور بذلك»، ورغم كل هذه الاعترافات، فإن الشعب المسكين ما زال يصدق أكاذيب كل من طالت لحيته وارتدى الجلباب، فمتى نتعلم من الدروس ولا نصدق الكاذب ونكذب الصادق؟!