لدى كل منا منطقة دافئة مختبئة فى القلب، منطقة مفروشة بحرير المشاعر منمقة بوردات كامنة تتفتح فقط حينما ننظر إليها وقت الضيق وكأنها تقول لك اطمئن أنا هنا وقلبك حديقة. فتعيد إليك الثقة فى نفسك وأنت تواجه الحياة. هذه المنطقة الغنية بأنفاس من نحب وكلماتهم الطيبة التى تظل معلقة فى سمائنا كنجمات مضيئة كلما أظلمت حياتنا، منطقة التوازن التى نحفظ فيها جواهرنا، ذكرياتنا، أمنياتنا التى حرمتنا منها الحياة، فلم تتحقق ومشاويرنا التى قطعناها فى الحياة ويحسدنا عليها البعض وهى ليست كما يرونها. هذه المنطقة سر سعادتنا ونقطة اتزاننا النفسى ومتكأ الراحة ولذا يتوجب علينا أن نتعود الهروب إليها واعتياد رياضة التأمل والاعتراف واختيار مفردة أو شخصية أو ذكرى بعينها وإعادة كتابتها. كتابة الروح بحبر الأحلام أو حبر الأمل فى الغد أو حبر البهجة بعدها سنكتشف الأمور بشكل مختلف، سنرى العالم بعيون جديدة شابة وواعية أو مرتاحة. يمكن أن تختار أنت أى شىء تجديد حياتك الزوجية مع زوجتك، زواج أبنائك الوشيك، أو انتظار مولودك الجديد، جربوا اختيار ما يسعدكم وتحدثوا عنه وتأملوه أو اكتبوه.
سأبدأ معكم لعبة المنطقة الدافئة المفروشة بالحرير ككاتبة سأختار مفردة الكتابة وأدعوكم لمشاركتى التعرف على ما تعنيه بالنسبة لى والذى سيدهشنى أنا الأخرى لأننى أكتب كشىء مسلم به شىء يسعدنى ولم أفكر فى معناها ووضعها فى حياتى وسط أدوارى المختلفة.
ببساطة أبتسم كلما تأملت مفردة الكتابة. أهز رأسى وأنظر إليها بنصف عين كطفلة عنيدة، غاضبة، لا يسهل غوايتها بقطعة سكر، وأهرب منها. أفضل أن أعيش على هامش الضوء مكتفية بدفء بيتى والعلاقات الحقيقية القليلة فى حياتى حتى وإن امتدت للحقول، وكلبنا والعصافير الغريبة التى أترك لها الطعام فى طبق فى الشرفة دون أن أراها.
أن أكتب يعنى أن أفتح غرفى السرية التى أخبئ فيها أحلامى ونصف عقلى وقلبى كله.
لحظة الكتابة. هى لحظة الوقوف حافية على جسر القطيعة مع العالم، ودخولى عارية إلى اللاوعي.
دونما إرادة مستلبة، تنبجس منى الكلمات كانفجارات مهومة. يخطها قلمى سريعا بخط رديء ونقاط سقطت من فوق الحروف وانزياح كبير لحجر كان جاثما على قلبى فأتنفس بارتياح بعد معركة الداخل، وأعود ثانية للحياة تاركة كل شيء كما هو، بنار اللحظة وفوضويتها، حتى أعود إليه. غالبا ما ألصقه على باب الثلاجة أو أحفظه تحت وسادتى أو فى محفظة نقودى بحرص يتواءم مع نصف عقلى الذى أتعامل به مع الدنيا.
أجزم أننى لا أتذكر ما كتبت للوهلة الأولى. فقط هو الجو العام والحالة التى لا أخلص منها تماما. تبقى هناك عوالق، تترجرج فى ذاكرتي، فأنهى أعمالى المنزلية سريعا، وأخرج أدواتى كقارئ وناقد. أعمل على ما كتبته قبل أن أفقد نكهة القصيدة.
هكذا أتحول بوعى كامل، إلى تشكيل الكتابة، وهيكلتها، ثم نقدها بشكل مبدئي (نصف راضية عنه) ثم أبتعد وأنسى. أصفى روحى من عوالق اللغة وصفة الكاتب ثم أعود. لأقرأ بحياد وأتأمل. فأقص وأقرأ وأقتنع وقتها أننى راضية عنها ثم أبتعد وأنسى. أغرق فى الحياة. ثم أعود وأقرأ على أمل الاكتمال والرضا العصي.
هكذا أتخلص من عبئى وأدفع به إلى صديق أو صديقة أثق به/بها كقارئ يتلقى الصدمة الأولى ثم يتناقش معي. بعدها أستطيع بثقة أن أخرج بالقصيدة للنشر، أو للأصدقاء لأننى أثق فى ذائقته وروحه المحبة ودفعه لى دفعا للكتابة أنا السيدة الكسول العنيدة التى تناطح رغبة الكتابة كثيرا، تحت دعاوى نهيلية وأسئلة متكررة تزور رؤوسنا جميعا نحن ما جدوى الكتابة؟ ما الذى تجره علينا؟ على بيوتنا وأطفالنا وزوجاتنا وأزواجنا؟ لماذا أكتب، ولم تحقق لى الكتابة قدرا من السعادة يماثل جلوسى تحت شجرة وفى يدى كتاب، وطفلى يلعب مع الكلب أمامى ويتمرغ على سجادة الحقول الخضراء الفسيحة؟ هل سأكون إيزابيل الليندى؟ وهل الوسط الأدبى على مستوى العالم العربى يسمح بالتنفس المريح للكاتب أو الكاتبة بعد أن ينطق هذه الكلمة؟
أعتقد أن ذلك الجدل المتجدد بينى وبين نفسى بعد كل تجربة هو ما يجعلنى أنسى كل شيء عن الكتابة وأعيش حياة الناس، تقابلنى الشوارع فأقرأها ويقابلنى البشر فأتأملهم. فتختبئ منى الحروف فى الغرف السرية. تشكل عالمها الخاص الذى يتراكم، ويتراكم ثم يضغط بشدة حتى أوشك على الانفجار. فأقع فى أسر تجربة جديدة.
لا أكرر تجاربى ولا أكتب بقرار. فقط أكتب كيلا تموت روحى ونصف عقلى وقلبى كله فى الغرف السرية. هذه تجربتى معكم عن الكتابة فى المنطقة الدافئة فماذا عن تجاربكم؟ كنت أتمنى أن يكون المقال تفاعليا لأتعرف على تجاربكم التى تثرى حياتنا جميعا بلاشك وتضيؤها. فما نحن سوى مجموعة من التجارب الحقيقية الثرية الغالية علينا مع أشخاص وأشياء، نحفظها بعيدا بعيدا عن العيون فى تلك المنطقة.