رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

للسياسة ساسة.. وباب الخلق للمظاليم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لعنة الله على السياسة التى أفسدت فنانين ومثقفين، خدعتهم ببريقها الأخاذ فتركوا ما يجيدون إلى ما لا يعقلون!!..أكتب ذلك بعد متابعة عدة حلقات من برنامج «باب الخلق» الذى يقدمه الأستاذ محمود سعد ببراعة وتلقائية وإنسانية.. محمود سعد ابن منطقة «باب الخلق» المنطقة الشعبية الدافئة التى يشعر ناسها ببعضهم ويتقاسمون همومهم.. فكان اختياره لاسم البرنامج دقيقا ورقيقا.. بلهفته إلى أيامه القديمة، وعبق أنفاس العائلة التى فرقتها الأيام.. وقد أعطته فرصة الظهور على الشاشة الإعلامية المبدعة دكتورة هالة سرحان ابنة أكاديمية الفنون.. والتى اتسمت بالبراعة فى اختيار مقدمى البرامج عندما ترأست قناة دريم، فولد على يديها الأساتذة وائل الإبراشى ومحمود سعد والكثيرون ممن ينيرون الساحة الإعلامية..اختارت لمحمود سعد برنامجا لطيفا يستضيف فنانين - وهو مجاله لأنه بدأ حياته صحفيًا فى قسم الفن بمجلة «صباح الخير» إلى أن تولى رئاسة القسم، ثم اختير رئيسًا لتحرير مجلة «الكواكب» - يحاورهم ببساطته وطيبته وخفة ظله، وكان له لزمة «اشرب العصير» والتقطه التليفزيون المصرى لتقديم برنامج «البيت بيتك».. الذى كان يحظى برعاية وزير الإعلام آنذاك أنس الفقى.. وحقق محمود سعد نجاحا كبيرا، ودخل قلوب المصريين.. إلى أن جاءت لعنة يناير التى فرقت ولم تجمع.. انساق وراء السياسة وانحاز للثورة.. رغم أنه من المفترض أنه ابن السلطة ومقرب من الوزير.. وكان يسأل عليه الرئيس مبارك أثناء مرضه.. ففقد محمود سعد الكثير من جمهوره بسبب آرائه السياسية، ودعمه لبعض أصحاب الآراء الثورية لدرجة التطرف.. وتخلى البعض عن متابعته، إلى أن توقف لفترة وعاد بهذا البرنامج الذى يدعو إلى التآلف والمحبة والعمل.. يقابل البسطاء وكبار السن، ويعرض مشاكلهم بعد مناقشتهم لأخذ العبر من رحلتهم مع الأيام.. ودائما نراهم تملؤهم الكرامة رغم بساطة الحال.. يجالسهم على الأرض ويسمع أكثر مما يتحدث، وفى صوته حنان واحتضان..أما حلقة (السبت 16 فبراير) والتى أجبرتنى أن أكتب عنه وعنها فهى حلقة متنوعة.. بدأت بعم حسين المسن الذى كان يعمل على عربة كارو.. وأخذت منه عبرتين الأولى: أنه رغم الاحتياج يرفض أن يطلب مساعدة من أولاده ويقول: «أقولهم إيه!! ما هم شايفين».. عزة نفس وكرامة الأب الذى تعود العطاء، لا يهن نفسه بأن يطلب.. والثانية: أحد أطفال الحى كان يطلب منه أن يركب الحصان، فكان يلبى طلبه ذهابا وإيابا، وظل هذا المعروف فى عقل وقلب الطفل، الذى أصبح رجلا يزور الرجل المسن، ويساعده ماديا دون طلب منه.. وهى قيمة كبيرة للوفاء وصون الجميل.. حتى أنه أهداه حصانا ثمنه 16 ألف جنيه وقاله استرزق به.
أما الفقرة الثانية فكانت جزءا من حلقة سابقة عن «التكية» والتى كان يقيمها المقتدرون لحفظ كرامة المحتاجين.. فيها مسجد ويقيم فيها الإمام وخادم المسجد، ويقدم الطعام لكل من يدخل وأحيانا المبيت أيضا، ودون أن يسأل أحد.. واختار زيارة تكية «الملاوية» أو الدراويش.. والملاوية هى اسم الرقصة التى أبدعها جلال الدين الرومى مع شمس الدين التبريزى بما تحمله من جمال وجلال يهيم فيها الصوفيون.. وهذه التكية غاية فى الروعة والجمال، داخلها مسرح رائع يجب أن يضاء يوميا بالحفلات، والمفاجئ أن «أم كلثوم» و«عبدالوهاب» غنيا داخل هذه التكية!!.. شرح محمود سعد أن لفظ التكية لم يحسم من أين أتى، مصرى أم تركى أم فارسى.. وخلال تجواله داخلها كان يردد بعض أقوال جلال الدين الرومى مثل: «إن لم تفتح لى الباب.. فأنا المقيم على الأعتاب»..و«إن سألتنى كم مرة جئت على بالى.. لقلت مرة لأنك جئت ولم تغادر»..و«إن أماتوا زهرة فى جوفك.. فبستانك ما زال حيًا»..وأخيرا «لا تكن بلا حب فتصبح ميتا».. وتكلم عن التكية المصرية فى أرض الحجاز، والتى كانت توفر الطعام والشراب والمبيت.. فيتكلف الحاج ثلاثة جنيهات هى ثمن تأجير الجمل وطعامه والنقل البحرى فقط.. وبخفة ظل حكى حكاية طريفة عن الملك فؤاد الذى كان يبغى الحج وانشغاله بالحكم يمنعه.. فنصحه أحد المنافقين أن يختار أحد الأشخاص ويمنحه مبلغا ضخما (25 جنيها) مع توفير احتياجاته من التكية، ويتفرغ الرجل للدعاء للملك أمام الكعبة وبذلك يؤدى الحج!!.
أما الفقرة الأخيرة للحلقة وهى الجزء الأكثر أهمية، فكانت تلبية لمخاطبة د. إيمان عبدالمنعم والتى استضافها هى ود. صفاء عزت.. وهما من عالمات المركز القومى للبحوث الزراعية.. وعرضتا نتاج بحوث قامتا بها منذ ثلاث سنوات، لإيجاد بدائل للسكر أثناء أزمة السكر التى مرت علينا..وهى منتجات مصنعة من تمور الدرجة الثانية، أو التمور الخضراء التى تتساقط ولا ينتفع بها.. وعرضتا منتجات متنوعة عالية القيمة الغذائية ومنخفضة الأسعار.. وهو ما يبحث عنه الجميع.. كما أنها تعالج ما يعانى منه أطفال المدارس، وما أشار إليه الرئيس من قبل (الأنيميا والتقزم والسمنة).. وإحدى منتجاتهما أسمياها «كرات الطاقة» وهى تمر بالسمسم والشيكولاتة أو جوز الهند وأنواع من الكيك والبسكويتات، والأطرف تخليل التمر بالنواة، لتأكل بالكامل لما تحتويه النواة من فوائد سمعنا عنها مؤخرا..كذلك صناعة الكاكاو من النواة والسكر بدبس التمر.
شىء مبهر ومطمئن أن علماءنا بخير، ويسهرون لإيجاد حلول لمشاكلنا..علينا فقط أن نزيد اهتمامنا بهم ونلبى احتياجاتهم ونُفعل أبحاثهم.. إنها حلقة هامة أتمنى أن تُعرض على الرئيس الذى غرس ملايين من النخيل..وها هى الصناعات التى نستطيع أن نغزو بها العالم.. وعلينا أن ندرك المثل الشعبى البسيط «إدى العيش لخبازه»..أبدعت فى مجالك يا أستاذ محمود سعد.. وأبدعت فى بعدك عن دهاليز السياسة.