شهدت العاصمة النمساوية فيينا الأسبوع الماضى مؤتمر «حرية الرأى والتعبير فى مجال الإعلام وسبل تعزيز التعددية» فى مقر منظمة الأمن والتعاون الأوروبى تميزت بمشاركة كبيرة من خبراء الإعلاميين والصحفيين من مختلف دول أوروبا، كما تنوعت عناوين ورش العمل والجلسات بين زيادة فرص حرية التعبير والتعددية الإعلامية والتصدى للمضايقات والتهديدات التى يتعرض الصحفيون للضغوط الأكبر التى تقع على الصحفيات تحديدا مثل التهديد والترهيب مع عدم توفير مناخ العمل المناسب لهن. إيجابية الفكرة فى المطلق تفرض على الجانب الآخر عدة ملاحظات مشروعة من داخل المنطقة العربية التى تحظى بنصيب الأسد فى التغطيات على وسائل الإعلام الغربى سواء المقروء أو المرئي.
أبرز التساؤلات أولا.. سبب إغفال لجنة إعداد مؤتمر دولى هام تخصيص جلسة لمناقشة ملف الحياد المهنى الذى يفرض على وسائل الإعلام الالتزام بنهج دقيق فى التغطية تجاه قضايا العالم. بعض المنابر الإعلامية العريقة فى أمريكا ودول الغرب ما زالت تمارس التحفز والالتواء فى طرح قضايا مصر والدول العربية بأسلوب لا يرتقى حتى إلى مستوى ما يطلق عليه الصحافة الصفراء أو صحف الفضائح. الشق الإيجابى فى حالة الجدل والتحليل التى تتناول «أمراض» الإعلام المصرى أنه يطرح بشفافية وصراحة أمام العالم مواطن العلل ومقترحات العلاج بعيدا عن أى حساسية من الاعتراف بمواطن الضعف.. فى المقابل لايخلو الإعلام الغربى من نبرة غطرسة تصل إلى اعتبار أن ما يبثه أو يكتبه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه! بينما قائمة تاريخ فضائحه الإعلامية لاحصر لها.. بل تكاد تتجاوز كل المآخذ المتداولة حول الإعلام المصرى والعربي.
ثانيا.. هذه المشاركة الدولية غاب عنها مناقشة أسباب السقطات المهنية التى ارتكبتها- وما زالت - أشهر وسائل إعلام أمريكا والغرب ضد مصر تحديدا منذ 2013.. ومن حق الإعلام العربى معرفة دافع مؤسسة عريقة مثل BBC حين لجأت إلى شراء ضمير سيدة ومنحها مقابل مادى لتفترى سلسلة أكاذيب عن تعرض ابنتها زبيدة للتعذيب والاختفاء القسرى على يد الداخلية، ثم يتم بعد أيام كشف الحقيقة بالصوت والصورة عن سر اختفاء زبيدة بسبب زواجها دون أى علاقة لوزارة الداخلية بالموضوع! أو الدافع وراء قيام إعلامى مثل «دافيد كيركباتريك» مراسل صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، يحظى بمكانة فى بلده، بالسقوط فى نشر تسريبات مزعومة لتسجيل بصوت شخص مجهول يدعى أنه ضابط مخابرات دون وجود أى دليل على ذلك! يتضمن توجيهات لعدد من مقدمى البرامج بشأن تناول موضوع القدس فى الإعلام المصري! رغم سذاجة الكلام المرسل الذى لا ينطلى حتى على طلبة كلية الإعلام، تم كشف هذه الأكاذيب الساذجة أيضا بالدلائل.. الوثائق المزعومة التى تناولها الإعلام الأمريكى والغربى عن عشرات الأسماء تحت بند «الاختفاء القسري!» ثم ثبت بالأدلة أن «اختفاء» هؤلاء الفعلى مكانه داخل معسكرات التنظيمات الإرهابية فى سوريا وليبيا.. المثير للدهشة صدور تصريح عن مسئول ألمانى رفيع حول وجود 40 ألف معتقل فى السجون المصرية لأسباب سياسية دون وجود أى دليل على هذا الرقم! اعتمادا على مصادر مشبوهة دون حتى أن يكبد نفسه عناء التأكد من دقة التصريح بناء على معلومة دقيقة من داخل مصر.. بدلا من التمسك بكيان وهمى ابتكره الغرب، بعد فشل ما عرف بالربيع العربي، ليحيط به جرائم ميليشيا البنا وذيولها تحت مسمى «الإسلام السياسي»، والأدهى إقحامه على المشهد كفصيل معارض!. هذه مجرد أمثلة معدودة ضمن قائمة طويلة ومعروفة للمعنيين بتقصى ومعرفة الحقائق.
دول حليفة عربية، تعرضت للابتزاز عبر آلة الإعلام الغربى الذى سارع إلى تلقف قضية هروب مراهقتين من السعودية.. رغم كونه حدثا فرديا تكرر منذ أيام فى أمريكا بإعلان هروب مجندة فى المخابرات العسكرية بعد ثبوت اتهامها بالتجسس لصالح إيران وإمدادها بمعلومات خطيرة.
ثالثا.. ضمان شفافية المؤتمر وجديته تفرض تخصيص جلسة حول آلية تدفق أخبار المنطقة العربية إلى الإعلام الغربي، هل هو إعلام «ضرير» يطمئن فقط لما يقدم له على أنه الحقيقة؟ وأن تتناول محاور الجلسة تحديد نهج مهنى لمصادر المعلومات التى يعتمد عليها، بدلا من استمرار الإعلام الغربى أسيرا لبرج عاج مشيد من القوالب الإعلامية النمطية التى تعتمد على التصورات المغلوطة حول ثقافات بعينها، ويمارس انتقاده لنهج تقليدى يزعم أنه يقيد وسائل إعلامنا، دون الأخذ فى الاعتبار ممارسات سلطة إعلامهم وتدخلها المباشر وغير المباشر فيما يتعلق بقضايا مصر والعرب، بدليل حالات متكررة لرفض أهم الصحف الأمريكية نشر ردود كبار الكتاب من مصر بهدف تصحيح ما يرد فيها حول قضايا بلدهم.
نتائج مؤتمر دولى حول حرية الإعلام والصحافة لن تكتمل جدواها دون طرح مكاشفة جادة لما له وعليه من حقوق ومآخذ والتأكيد على الخطوط المهنية الفاصلة بين تغطية إعلامية تفرض توجهاتها الخاصة على الرأى العام، أو تحرى مصدر المعلومة من أرض الواقع خصوصا فى ظل التأثير الذى تحظى به وسائل الإعلام الغربى فى توجيه الرأى العام.