شاركت السبت الماضى فى مناقشة رسالة ماجستير مهمة للباحثة وفاء براد جلال عبدالصادق بقسم الإعلام يكلية الآداب جامعة سوهاج، وعنوانها: «دور المواقع الإخبارية فى تشكيل اتجاهات الشباب نحو الأحزاب السياسية بعد ثورة 25 يناير2011»، أشرف على الرسالة د. عزة عبدالعزيز عثمان، رئيس قسم الإعلام السابق بجامعة سوهاج وعميد المعهد العالى للإعلام بالإسكندرية وزميلها د. مرزوق عبدالحكم العالى، الأستاذ المساعد بالقسم نفسه، وشاركنى فى مناقشة الرسالة الزميل العزيز د. محمد سعد إبراهيم، عميد المعهد الدولى العالى للإعلام بأكاديمية الشروق.
وقد أجرت الباحثة دراسة ميدانية على 400 مبحوث من الشباب الذين يستخدمون المواقع الإخبارية لرصد علاقة هذه المواقع بتشكيل اتجاهات الشباب نحو الأحزاب السياسية سيما أن عدد هذه الأحزاب تنامى بشكل كبير بعد ثورة 25 يناير 2011 فى ظل الحراك السياسى فى تلك الفترة، والتى أدت إلى زيادة عدد الأحزاب السياسية المصرية إلى أكثر من 100 حزب سياسى، معظمها غير فاعل فى الشارع المصرى عمومًا والشارع السياسى خصوصًا بل إن الأحزاب الممثلة بنواب فى البرلمان المصرى لا يزيد عددها على 19 حزبًا فقط.
ولعل ذلك ما جعلنى أسأل عن جدوى هذا العدد الضخم من الأحزاب السياسية فى الدولة المصرية، خاصة أنه ليس لدينا أعراق أو مذاهب أو طوائف مختلفة تبرر هذا التشظى فى الحياة السياسية بناءً على معايير عرقية أو مذهبية أو طائفية أو حتى فئوية مثلما هو الحال فى دولة عربية أخرى كالعراق مثلًا.
لذا فقد علقت بداءةً على موضوع الرسالة تعليقيْن أحسبهما مهميْن أولهما إمكانية ضم هذه الأحزاب ودمجها - كما سبق ودعا الرئيس عبدالفتاح السيسى - على أن يكون هذا الدمج بين الأحزاب ذات التوجهات السياسية المشابهة والمتناغمة أو ذات البرامج السياسية التى لا يوجد بينها اختلاف كبير، وثانيهما اقتراح تعديل فى قانون الأحزاب يسمح بإلغاء تصريح أى حزب سياسى لم يتم تمثيله فى البرلمان المصرى لدورتيْن متتاليتيْن، على أن يتم هذا التعديل قبل الانتخابات المقبلة لمجلس النواب، لإلغاء الأحزاب التى لم يتم تمثيلها فى مجلس النواب الحالى والقادم بعد إجراء الانتخابات البرلمانية وظهور نتائجها مباشرةً.
إن هذين المقترحيْن كفيلان بصقل التجربة الحزبية الحالية فى عهد دولة متطورة وعصرية تتفاعل فيها الأحزاب السياسية مع الشارع المصرى والمواطنين، وتشارك فى بناء الدولة المصرية التنموية التى تساعد مواطنيها على المساهمة الجادة فى كل مجهودات التنمية من خلال العمل المنظم فى أحزاب سياسية لها برامج طموحة لإعادة بناء الدولة المصرية فى مختلف المجالات.
وقد توصلت الدراسة الميدانية التى أجرتها الباحثة وفاء براد جلال عبدالصادق إلى أن دوافع تعرض الشباب للمواقع الإخبارية تتمثل فى دافع الاهتمام بالفورية فى نقل الأحداث، حيث جاءت بنسبة 67.8%، ثم دافع أنها تعرض القضايا التى تهم الرأى العام بنسبة 54%، ثم دافع أن هذه المواقع غير مكلفة ماديًا بنسبة 46%، ثم متابعة المواقع الإخبارية لتطورات القضايا والأحداث على المدى الزمنى، حيث جاءت بنسبة 45.3%، بينما جاء تميز المواقع الإخبارية بالتغطية الموضوعية والحيادية بنسبة 30%.
وتبين من الدراسة أن أسباب متابعة الشباب للمواقع الإخبارية تتمثل فى معرفة المعلومات حول القضايا السياسية الداخلية والخارجية، وجاءت فى المركز الأول بنسبة 81.3%، وترجع الباحثة هذه النتيجة للزخم الذى كان موجودًا فى أعقاب ثورة يناير 2011، حيث شهدت أحداث الثورة الاهتمام بمختلف جوانبها داخليًا وخارجيًا، وكان السبب التالى «فهم خلفيات الأحداث ووجهات النظر حول القضايا» بنسبة 75%، يليه فى المرتبة الثالثة الزيادة من الثقافة السياسية 73.2%، ثم «الاطلاع على أخبار الأحزاب السياسية» فى المرتبة الرابعة بنسبة 67.6%، يليه فى المرتبة الخامسة «التخلص من الملل» بوزن نسبى 65.3%، وأخيرًا للتسلية وشغل وقت الفراغ، حيث جاءت فى المرتبة السادسة بنسبة 64.6%.
وأوضحت الدراسة أن المواقع الإخبارية تمثل بديلًا للشباب عن وسائل الإعلام التقليدية (الصحف - الإذاعة - القنوات التليفزيونية) بنسبة 52.8% من إجمالى العينة، والتى ترى أنها أصبحت بديلًا عن وسائل الإعلام التقليدية (إلى حد ما)، وأكدت نسبة 37.8% أن المواقع الإخبارية أصبحت بديلًا عن وسائل الإعلام التقليدية، ولم يُستثنَ من ذلك سوى ما نسبته 9.4% فقط من حجم العينة الذى أجابوا بأن المواقع الإخبارية لم تصبح بعد بديلًا عن وسائل الإعلام التقليدية، وهذا لا ينفى أهمية القنوات الفضائية، لكن الشباب عينة الدراسة اهتم أكثر بمتابعة المواقع الإخبارية للتعرف على الأحزاب السياسية.
وأظهرت نتائج الدراسة فيما يتعلق بمستويات الاعتماد على الوسائل الإعلامية المختلفة كمصادر للمعلومات عن الأحزاب السياسية أن المواقع الإلكترونية الإخبارية غير التابعة للمؤسسات الإعلامية جاءت فى مقدمة الوسائل الإعلامية التى يعتمد عليها المبحوثون كمصدر لمعلوماتهم عن الأحزاب السياسية فى مصر بنسبة بلغت 78.1%، فى حين جاءت المواقع الإلكترونية الإخبارية التابعة لمؤسسات إعلامية تُصدر صحفًا أو تمتلك محطات إذاعية أو تليفزيونية إخبارية فى المرتبة الثانية بنسبة 76.4%، وفى المرتبة الثالثة جاءت القنوات التليفزيونية الإخبارية الأرضية والفضائية بنسبة 74.7%، أما فى المرتبة الرابعة فقد جاءت القنوات التليفزيونية العامة الأرضية والفضائية بنسبة 72.3%، يليها فى المرتبة الخامسة الصحف والمجلات المطبوعة، والإذاعة بنسبة 65.8% لكل منهما، وأخيرًا جاء الاحتكاك المباشر بالأحزاب فى المرتبة السادسة بنسبة 61.2%.
وكشفت نتائج الدراسة عن ارتفاع درجات الاعتماد على المواقع الإخبارية كمصدر للمعلومات عن الأحزاب السياسية، مع وجود تقارب واضح بين (أعتمد عليها بدرجة متوسطة) بنسبة 36.8%، و(أعتمد عليها بدرجة كبيرة) بنسبة 35.8%، مع تراجع بسيط لـ(نادرًا ما أعتمد عليها)، وتؤكد تلك النتائج أن الشباب المصرى عينة الدراسة لديه درجات اعتماد مرتفعة على المواقع الإخبارية كمصدر لمعلوماته عن الأحزاب السياسية، وقد يكون هناك أكثر من سبب لارتفاع معدلات الاعتماد تلك، فقد تكون عوامل مثل الثقة والمصداقية فيما تنشره تلك المواقع من أخبار وموضوعات تتعلق بالأحزاب السياسية، أو قد يرجع السبب لعوامل تتعلق بالفورية فى نقل الأخبار، وكذلك قيام المواقع الإخبارية بمتابعة تطورات القضايا والموضوعات التى تتعلق بشئون الأحزاب وأدائها، ولا تتوقف عند نشر الأخبار فقط، كما توجد عوامل أخرى تتعلق بالتفاعلية وإمكانية نشر آراء المتابعين لصفحات المواقع، وإضافة مزيد من المعلومات، والصور، والفيديوهات، وهى جميعها عوامل تزيد من ثراء تلك الوسيلة، وتؤدى إلى ارتفاع معدلات الاعتماد عليها كمصدر للأخبار والمعلومات عن الأحزاب السياسية.
ونستكمل عرض نتائج هذه الدراسة المهمة فى الأسبوع المقبل بإذن الله.