لا يقتصر عيد الحب على شاب وفتاة يحتفلان معًا، ويعيشان قصة حب، ولكن في حقيقة الأمر، يشمل عيد الحب أنواعًا أخرى من العواطف والمشاعر، التي تتجدد مع كل ذكرى، وهو ما يجسده «محمد»، الذي لن ينسى أيام استيقاظه الباكر، وتجهيز الفطور لوالدته، ويقدم لها هدية عيد الحب؛ تقديرًا لها على مجهوداتها معه، فهو يعتمد عليها في أمور حياته، لا يستطيع العيش بدونها، فما بالك لو رحلت الأم عن الحياة، وهذا ما حدث بفعل، بعد إصابتها بـ جلطة في «القلب»، وتوفاها الله.
ظلت الدموع تتساقط من الشاب الصغير، والصراخ يعلو، حتى سقط على الأرض فور معرفة خبر وفاتها من عمه بالمستشفى وهو يعزيه: «البقية في حياتك»، إذ كان يبلغ من العمر آنذاك 19 عامًا، تلك الصدمة ظلت تطارده سنوات، ولكن استطاع تحدي الظروف، واجتهد في دراسته لإرضاء والدته، وبعد فترة لم تكن بقليل تعرض لصدمة أخرى، حولته لشخص قوي القلب، يتحمل الصعوبات، مرّ عام، وظل يقدم لوالدته هدايا عيد الحب، ولكن هذه المرة في المقابر.
وكأن قسوة الحياة تسكن جانبه في منزله، فبعد خمس سنوات، رحل والده أيضًا عن الحياة، فهذا الأب كان بمثابة السند الذي يتكأ عليه، ظل الأنين يعلو، والمشهد يُعاد من جديد، وتحولت كل مناسبة لديه إلى «ذكرى»، يزور فيها المقابر، شاب شاخ قلبه في الحياة، عاش بمفرده يتحدى المعوقات، وكأنه يتحدث إلى والديه، ويوعدهم بأنه سيحقق أحلامهما.
هذه القصة بطلها محمد عبد الرحمن علي، شاب مقيم في القاهرة، يستعد لمناسبة عيد الحب، قبله بعشرة أيام، إذ يستيقظ عقب صلاة الفجر ويذهب للمخبز؛ لشراء الخبز والذهاب إلى المقابر، ولكن قبل الوصول إلى سكن والديه، يقف قليلًا أمام أحد محال الزهور ويشتري أكاليل الورود، وفي قبضة يديه الصبار، ومنها إلى مقابر الغفير، المسكن الذي يستقر فيه أباه وأمه، يبدأ التحية لهما ثم الوقوف أمامهما بقراءة الفاتحة، والحديث معهما عن تطورات حياته، ومنها بتقديم هدايا عيد الحب.
شاب استطاع أن يقدم المعايدة، ولم يقاطع العادة التي تعود عليها منذ سنوات، وقبل غلق باب السكن والرحيل عنهما يقول لهما: "كل سنة وأنتم طيبين..عيد حب سعيد علينا.. وحشتوني أوي".