أطلقت «حياة» قرارها بأن تواجه مصيرها رغم الداء والأعداء، مقاومة وحشا فاتكا يعلن قبحهُ فى جسدها عبر تداعيات وارتدادات المرض الخبيث ساحقا كل خلايا حية، الثمن المدفوع لقتل خلايا نشطة تتكاثر بسمومها، مواجهة مصير الوحدة القاتلة إذ يفر الزوج، الفنان التشكيلى وهما طلبة الجامعة ذاتها ساعة تحابا وهى تلميذة المسرح، من يصعقها بصدمة خبر تحوله الى انتحارى إرهابى موعود بالحور العين فى جنة قيامته حسب معلميه فى مدرسة التطرف، ما تفعله «حياة» معادل موضوعى لفعل مقاومة هرمون «الأدرينالين» وعلميا هو ما يتم إفرازه عندما يتعرض الجسم لموقف مفاجئ شعورا بالخوف أو التوتر وبه أيضا يتم منح الجسم القدرة والقوة فى حال واجه الإجهاد المفاجئ المربك للجسد قلبا ومُخا، اختارت عنوانها الفنانة الأردنية أسماء مصطفى فى عملها المسرحى مونودراما «أدرينالين» نتاج مشروع ورشة عمل دراسية قضتها بتونس وفيها شهد مخاضه، كتبت النص وأخرجته وقادت عرضها، طاقة مشتعلة بانت بها أسماء/ حياة وهى تُطلق تعابيرها جسدا ينكشفُ مُجاهرا بدائه متدثرا بالبياض، بياض أربطة المشفى كما بياض ثوب الفنانة الحكاءة، وبياض الفراشة الحالمة الآملة فى غدها برقصة ختام العرض، وبمحمولات القلق الوجودى تنفتح الإضاءة مدخل العرض، مُركزة على حالة تخلق الجنين القادم للحياة بحلوها ومرها ومواجعها وانتكاساتها، وتُفلح أسماء المُمثلة فى التخلُق بجسدها بموازاة الإضاءة والإظلام والمقطوعة الموسيقية، غير أن القطع الذى يملأه صوت خطابى لمذيعة تبعث برسالة وعظية إخبارية زائدة بالإمكان التخلى عنها! كونها تربك حالة التواصل البصرى عند المتلقي، المرأة الأدرينالين لاتُنكس راياتُها إعلانا لحداد، بل تتخذ من صنوها فى الحالة (الممثل نضال سنجري، المُغنية ريم البنا) عنوانا وطريقا لأن تشهر سيف العزيمة والإصرار على البقاء، وباستثمار ما تبقى من نزيع حياة حتى وقبلها سيتردد صدى قرار الطبيب بأن حان وقت فقد ذاكرة النهد الحميمية، وتتوارد الأسئلة أسئلة الوعى بالذات والوجود وأيًا كانت الإجابات، فحياة تحثُ النساء مثيلاتها ألا يستسلمن وإن أثقلتهن الضربات تلو الضربات سنسمع أصواتهن عبر حكايات تسردها وتتلبسها حياة برقص جسدها المُحتج المتمرد، وكما تكتب المعالجة النفسية كلاريسا بنكولا داعية النساء للرقص مع الذئاب، ستصرخ لأجلهن حين يولدن ويعشن لعنة قمع الأنوثة، الفجيعة والفقد، الهجرة والاغتراب، وحشية التطرف.
فى المهرجان الدولى «أيام القاهرة للمونودراما» (الدورة الثانية) الذي أقيم بمسرح الهناجر بأرض الأوبرا (7-10 فبراير) حضرت عروض عربية ودولية تراوحت فى لفت الانتباه لمعنى ومفهوم مسرح المونودراما، فن الممثل الواحد القابض على جمر الإيقاع لو اهتز تنطفئ جذوة العمل برمته كونه لوحده كفة الميزان، المرآة العاكسة لرؤية المخرج، والإفراز لكل الأدوات الجماعية لأى عمل مسرحى (ديكور، إضاءة، موسيقى) هل هى الكفة الموازية ؟ هل نقول ميزان بكفتين لكن اللاعب الممثل المفرد مفتاح أثقاله، تذكرت هذا التوصيف مُتمعنة فى العرض السعودى «صفحة أولى» الآتى من منطقة جازان، فالسينوغرافيا جعلت من جرائد مهملة عنصرا حيا غصت بها أرضية المسرح كما وعُلقت بسقفه، وهى مأكل وملبس وفراش بل غاب وضاع فيها جسد «أنس» الذى يؤدى دور صفحة جريدة، حضرت أوراق الجرائد بمركزية محتلة فضاء كل مجال الرؤية للمتفرج حتى خمنت ماذا لو لعبت الجريدة فى مجال مُضاء (تقنيات المسرح صارت تتيح ذلك) وخرج صوت «أنس» فى مجال مظلم معبرا عن شكواها وهمومها وحكايات يومياتها متنقلة بين الأيادى المُقدرة المُدافعة هم قراء شغوفون، والنابذة التى تجعلها ممسحة غبار، ووقود مدفأة، ومقذوفة من عال لمُلتقط محتمل علها عربة قمامة! حين صعدتُ الخشبة وهنأت أسرة العرض رميت بجملتي: قنصتم تيمة تفتح شهية الخيال وتحتمل تطويرها، فبادرنى مخرج العرض بإشارة «هزة رأس» توحى بالموافقة، هكذا خمنت إن لم تكن تحية مجاملة وتقدير.