لم تتبق إلا أيام قليلة، على إجراء انتخابات نقابة الصحفيين، قلعة الحريات المرابطة فى الشارع الشهير «عبدالخالق ثروت» وسط مدينة القاهرة، لاختيار نقيبها رقم 22، فى التجديد النصفى، المقرر عقدها فى مارس المقبل، وذلك فى حال اكتمال النصاب القانونى للجمعية العمومية.. وهذه الانتخابات ليست كسابقاتها، وكذلك النقيب الجديد ليس كسابقيه؛ حيث تنتظره ملفات شائكة ومعقدة على كل المستويات، مهنية وسياسية واقتصادية، وتشريعية، وأيضا تدريبية وثقافية وأنشطة اجتماعية.
ورغم عدم الإعلان رسميا عن المرشحين لمقعد النقيب، فإن الأنباء تتوارد عن نوايا عدد من الصحفيين التقدم للمنصب، بل وبدأ أنصارهم حملاتهم الانتخابية مبكرًا.
النقيب الجديد، مطالب بتحقيق آمال وطموحات شباب الصحفيين وشيوخهم، الذين أرهقهم حال النقابة المتراجع منذ سنوات، ويتطلعون لغد أفضل، ووضع حلول عملية ومنطقية لمشكلاتهم ومشكلات المهنة.. الآمال كبيرة والإمكانيات قليلة، وهذا هو لب المشكلة، فضلا عن أن النقيب الجديد، مطالب بتعديل قانون النقابة، الذى مر عليه الدهر و«أكل عليه وشرب»، ويحتوى على عبارات من التاريخ وغير دستورية، مثل: الاتحاد الاشتراكى، والإرشاد القومى، فليس معقولا أن نظل حتى الآن أسرى لقانون «عجوز» صدر فى السبعينيات من القرن الماضي، ولم يعد يصلح للعصر الحديث بما اشتمل عليه من تكنولوجيا، ووسائل اتصال حديثة، وفضائيات، مع التدريب الدائم والمتكرر لشباب الصحفيين، وتنميتهم بشريا، للاطلاع على أحدث الوسائل وطرق المعالجات الصحفية، فضلا عن الكتابة وفنونها واللغات والثقافات المختلفة، لكى يكون قادرا على قراءة الأحداث محليا ودوليا بشكل صحيح.
كما أن النقيب الجديد، مطالب أيضا بتوفير الخدمات العامة للأعضاء، مثل تطوير مشروع العلاج، وزيادة موارده وميزانيته، وزيادة البدل والمعاشات، بشكل يضمن حياة كريمة للصحفيين وأسرهم، وإنشاء مستشفى للصحفيين، وناد اجتماعى ورياضى يليق بهم، واستغلال موارد النقابة، بشكل اقتصادى واستراتيجي.
ومن أهم المهام التى ينتظرها الأعضاء من نقيبهم الجديد، هى الحفاظ على النقابة العريقة التى يمتد عمرها إلى ٧٧ عامًا، وتحديدًا منذ ٣١ مارس ١٩٤١، وبالتالى الحفاظ على أمن وحرية وسلامة الصحفى، واستقراره الحياتى والمعيشي، والتأكيد على حرية الكلمة والدفاع عنها وحق الصحافة فى أن تكون شريكا فاعلا فى إدارة الواقع، من أجل تأدية الصحفى لرسالته على أكمل وجه خدمة لوطنه وشعبه وأمته، فضلا عن البحث عن حلول واقعية لوقف تدهور وتراجع الصحافة الورقية، بعد زيادة أسعار الورق، وعدم قدرة بعض المؤسسات على توفير التزاماتها المادية، ومواصلة النشر والطبع، وحل مشاكل تراجع التوزيع.
وفى هذه المرحلة الحرجة، والأخطر فى تاريخ الصحافة الإقليمى والعالمي، حيث تشهد منافسة شرسة من وسائل إعلام غير تقليدية دخلت للساحة بشكل مفاجئ وسريع لتغير قواعد اللعبة، ينتظر النقيب الجديد الكثير من الجهد والتعب، وأن يكون نقيبا مهنيا بطابع سياسى واقتصادي، يتحاور مع الجميع من أجل إعلاء قيمة الصحافة والحرية، مع الاستفادة من التجارب السابقة والتطور العلمى والتكنولوجى، واستثماره فى تطوير صناعة الصحافة الورقية، وعقد الندوات وورش العمل لنشر هذه الأفكار بين العاملين بالمهنة.
للأسف.. دور نقابة الصحفيين تدهور منذ زمن طويل، وأصبحت خدماتها رمزية لا تسمن ولا تغنى من جوع، لذلك يجب إعادة النظر فى الأجور، لكى يكون دخل الصحفى مواكبا للظروف الاقتصادية، فالصحفى ليس له مكان عمل ثابت، وأحيانًا يضطر للانتقال بين أماكن متعددة لتغطية حدث واحد، وأن عددا كبيرا من الصحفيين يعمل فى أكثر من مكان لسد متطلباته المعيشية.
انتخابات الصحفيين التى تجرى غالبا، تحت إشراف قضائي، عرفت بالنزاهة والإستقلالية، وظلت مشرفة وتليق بنقابة الصحفيين وتاريخها، باعتبارها قلعة الرأى وحصن الحريات العامة والشخصية، وهى أحد أهم القوى الناعمة فى البلاد، وأكثرها تأثيرًا فى الرأى العام.
ولكن المشهد الأسوأ فى انتخابات النقابة، ومعارك الترشح، على منصب النقيب والمجلس، «التربيطات»، السياسية والخدمية، لخدمة تيار أو فئة دون عموم الأعضاء مقابل الحصول على أصواتهم، فنحن لا نريد لهذا الصرح العريق أن تتلون بألوان سياسية أو حزبية تزيد من فرقة الصحفيين، ونحن فى أشد الأوقات إلى اللحمة والتماسك.
ويعتبر بدل التدريب، والمعاشات، كلمة السر فى انتخابات النقابة، حيث يسابق المرشحون الزمن، للحصول على زيادة جديدة فى قيمته، فضلا عن السعى لحل مشاكل الأعضاء المفصولين من عدد من الصحف، كما نريد من الزملاء المرشحين المحتملين ألا يزايدوا فى الوعود والأحلام - غير القابلة للتنفيذ - من أجل حصد أصوات الناخبين، دون معرفة كيفية تنفيذ هذه الوعود الوردية، كما يطلب الصحفيون من نقيبهم القادم ومجلسه الجديد، توفير حياة كريمة لهم، والعمل على منح الصحفيين حصانة قانونية خلال ممارسة أعمالهم الميدانية، لأنهم يعملون للصالح العام وليس لغرض شخصي، وتحسين أجورهم ومضاعفة بدل التكنولوجيا لهم، لكى يواكبوا معدلات التضخم المرتفعة بالمجتمع، وأن يكون الحد الأدنى لأجور الصحفيين كافيًا لحياة كريمة، يستطيعون من خلالها أداء عملهم بالشكل الأمثل.