جميلة هي كلمة الوطن عندما ترسمها أيادٍ سمراء شققها الكدّ، وخططها الجد، جميل هو الشعب الذي لا يحني رأسه ولا يلتفت إلى خصومه وأعدائه، ولا يعبأ بترهاتهم وثرثراتهم، وجميل أيضا ذلك القائد الصلب الذي لا يستأذن ولا يستشير القوى العظمى في أمور وطنه.
أقول ذلك وذهني مشغول بأيامنا المقبلة، فقبل أيام زار وفد من الكونجرس الأمريكي القاهرة والتقى الرئيس عدلي منصور والفريق أول عبد الفتاح السيسي، وأشاد بالدستور وبما تضمنه، وقال بعض أعضاء الوفد إن العبرة بتطبيق القوانين التي تكفل الحريات بشكل حقيقي، وفور إعلان نتجية الاستفتاء على الدستور المصري الجديد، قال "جون كيري" وزير الخارجية الأمريكي، إن الديمقراطية أكثر من مجرد استفتاء واحد أو انتخابات واحدة، وإنها تعني المساواة في الحقوق والحريات، مطالبا بتطبيق الحريات بشكل كامل والسير نحو المصالحة.
ولا شك أن مصر الجديدة ليست في حاجة إلى مَن يُعلّمها الديمقراطية أو يُرشدها نحو مصلحة المصريين، نحن أدرى بمصالحنا ونحن أعلم بأحوالنا من غيرنا، نعرف كيف نحلم وكيف نجاهد لتحقيق ذلك الحلم، لا يحتاج أهل هذا البلد الطيب مَن يشير لهم إلى الطريق، لأنهم كم أشاروا فيما مضى إلى طرق قادتنا نحو الانقسام، وقذفت بنا إلى المتاهة.
إننا لا نبني سلالم الديمقراطية كي نُرضي الولايات المتحدة الأمريكية أو الغرب أو أيّة قوى في العالم، وإنما لأننا ندرك أنها الطريق إلى التنمية والتقدم، وبالطبع فإننا لا نضع دستورا جديدا يستفتى عليه الناس من أجل عيون مستر "كيري" أو غيره، وإنما من أجل عيون رجل بسيط لا يعرفه الناس، وهو يزرع الأرض في صعيد مصر ليوفر القوت لأبنائه.
لا يهمنا - ولا ينبغي أن يهمنا - رأي مستر "كيري" في الدستور المصري الجديد، وتصوره إن كان الاستفتاء هو الديمقراطية أو أنها غير ذلك، ولا يهمنا رضا الكونجرس عن مصر وعن قياداتها وعن توجهاتها وعن شؤونها الداخلية، إننا طوينا صفحة التبعية إلى غير رجعة، وعلى الجميع أن يعلموا أن شعب مصر لن يقبل بحاكم تابع أو مهادن أو مطيع أو خائف من أمريكا.
لو أرادوا الصداقة لنالوها، لكن دون تدخل في الشؤون الداخلية لمصر ودون وصاية على شعبها، وإذا سعوا إلى علاقة وطيدة فينبغي أن يتأكدوا أن تلك العلاقة هي علاقات مصالح مشتركة، لا توجيه ولا إرشاد، إن العالم لا يحترم سوى الأقوياء، ومصر دولة قوية بشعبها وتاريخها وموقعها وحضارتها وقيمها وشخصيتها، ولا بدّ أن تتعامل - وتتمّ معاملتها - كما تتعامل وتُعامل الدول القوية.
سنخلع "البرنيطة" مثلما خلعنا "العمامة"، وسنخطو نحو الغد بروؤس مرفوعة، والله أعلم.