تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
حالة «فوبيا» جماعية تعكس السخط والتذمر الذى يحكم الشارع العراقى منذ عام 2003، وتعيد دفع شرارة الغضب الشعبى إلى الانطلاق فى أى لحظة ضد التدخلات الإقليمية وعدم احترام السيادة العراقية. الزيارات الرسمية والدبلوماسية التى توافدت على العراق مؤخرا بحكم موقعه الإقليمى والدولى الذى يشهد تجاذبا واختلافات لم تحسم فى سوريا بعد، وهى ساحة صراع تتأثر وتؤثر فى العراق.. إذ لا يمكن حسم الملف السورى أمنيا وسياسيا بمعزل عما قد يحدث فى العراق، وهو ما أكده أغلب القادة والساسة خلال زياراتهم للعراق، مما يطرح الإشكالية الأهم حول مدى استعداد الحكومة العراقية - فى ظل التعثرات السياسية التى ما زالت تحيطها - لتحديد مستقبله مع كل التواجد الدولى والعربى الذى شهده العراق.. إلى أى مدى ستنجح الحكومة فى استغلال انفتاح محور الاعتدال العربي، مصر، السعودية، الإمارات، الكويت، الأردن، على العراق وتنجح فى استثمار الإشارات المقدمة من مجموعة تشكل قوة صد فى وجه وقوع المنطقة بين أطماع قوتين إقليميتين (تركيا- إيران) وتخفيف ضغط بركان الشارع العراقى الذى سيظل متأرجحا بين الانفجار والهدوء المؤقت.
أحداث العنف خلال المظاهرات التى اندلعت مؤخرا فى محافظة «دهوك» على خلفية القصف الجوى التركى لمجموعة مدنيين بالإضافة إلى اعتقال قوة أمنية تركية فريقا إعلاميا لقناة كردية بعد الاعتداء عليه أمام أحد المستشفيات، لم يكن وليدة اللحظة. توالى الضربات الجوية التركية التى ازدادت كثافتها منذ ديسمبر الماضي، واستباحتها أراضى العراق دون أى استجابة من النظام التركى للإدانات الصادرة عن وزارة الخارجية العراقية والاستدعاءات المتكررة للسفير التركى احتجاجا على هذا الانتهاك السافر لسيادة العراق. الأمر الذى لا يحتمل سوى قراءتين، إدراك تركيا تشتت السياسة الخارجية العراقية أو - الأخطر- وجود تفاهمات غير معلنة بين الرئيس الأمريكى ترامب وأردوغان حول مساحة التحرك التركى شمال العراق الذى تسعى من خلاله تركيا إلى توطيد نفوذها فى العراق سواء بالتأثير على مسار تشكيل الحكومة واشتراط حصول أى رئيس لها على دعم تركيا بذريعة محاربة حزب العمال الكردستانى وترحيبها بأداء دور «الوكيل» للجانب الأمريكى فى سبيل ذلك. نقل أعداد كبيرة من أفراد القوات الأمريكية ومعداتها العسكرية التى كانت فى سوريا إلى ثلاث قواعد داخل الأراضى العراقية مع إعلان ترامب المتكرر عن سعيه اختصار وجود القوات الأمريكية فى المنطقة اعتمادا على قوى بديلة.. والمرجح غالبا أنها تميل إلى تركيا.. فى رسالة ليست غائبة عن الشارع مفادها أن العراق عليه تحمل جحيم سيطرة قوة إقليمية أخرى.
بصرف النظر عن مدى جدية التقرير الذى نُشِر مؤخرا على مواقع تنظيم داعش معلنا قرب عودته إلى العراق والسيطرة على مدينة الموصل بعد طرده منها من قبل القوات العراقية المدعومة من التحالف الدولي، مؤكدا وجود التنظيم فى عدة مناطق فى محافظة نينوى واستعداده لاحتلال تلك المناطق حين تسنح له «الفرصة» المناسبة.. بالتأكيد مغزى هذه «الفرصة» المرتقبة قطعا لا يمكن تأويله بمغزى عن التاريخ الحافل والموثق للعلاقة الاقتصادية والأمنية التى تربط تركيا بتنظيم داعش. خطورة هذا التجاذب الإقليمى أنه يكرس إضعاف المشهد السياسى والأمنى العراقى ويجعل بقاءه ساحة للتدخل وعدم الاستقرار فى ظل افتقاد منظومة مستقلة للأمن القومى تملك فرض الخيارات والسيناريوهات البديلة على الحكومة.. على الطرف الآخر، يتلهف أردوغان حاليا إلى تحقيق أى مكاسب أمنية أو سياسية تكون بمثابة «شماعة» لتعليق أزماته الاقتصادية عليها، ذلك سواء عبر تصعيد الأزمات مع أطراف مختلفة وإغراق تركيا فى مستنقع السياسات العدائية أو التوسع فى احتلال مناطق لفرض السيطرة العسكرية عليها.
الملف القديم - الجديد عاد بدوره إلى المشهد بقوة بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو مؤخرا إلى العراق. مناطق جنوب العراق - ذات الأغلبية الشيعية - تشهد احتجاجات مستمرة تحمل رسالة مباشرة مفادها رفض التدخل الإيراني.. قام خلالها المتظاهرون بحرق مقرات تابعة لإيران وصور قادة بارزين مثل الخومينى وخامنئي، منددين بالتدخل الإيرانى فى العراق عبر هتافات «إيران بره بره.. بغداد تبقى حرة». هذه المظاهرات وإن خفت وتيرتها لم تنقطع وتبقى عرضة للانفجار خصوصا بعد أن أسقط السخط الشعبى الهالة المقدسة التى كانت تحيط إيران ورموزها «الدينية» والقوى التى تدعمها فى العراق. تصاعد الرفض الشعبى للتدخلات الإقليمية واستباحة أراضى العراق لتصفية الحسابات بالوكالة.. خصوصا بعدما أصبح التجاذب يدار علنا مع سعى إيران منذ أيام، عبر قوى وأحزاب مدعومة منها داخل البرلمان العراقي، تمرير قانون سيتم تقديمه إلى البرلمان بشأن إخراج القوات الأجنبية- تحديدا الأمريكية - والدعوة لحمل السلاح ضدها باعتبارها قوة احتلال. فى المقابل تقليص الحضور العسكرى للميليشيات العسكرية التابعة لإيران جاء ضمن الأولويات التى طرحت خلال زيارة بومبيو حيث قام بتسليم المسئولين قائمة تضم أسماء معروفة من قادة هذه الميليشيات لإبلاغهم بمغادرة العراق خلال مدة أقصاها شهر وإلا ستكون فصائلهم مستهدفة من القوات الأمريكية.