إن الشارع المصري هو الوحدة المكونة للدولة، كما أن الأسرة هي الوحدة المكونة للمجتمع، لايزال مفهوم الدولة في وعي المواطن طفلا، وليس على المواطن المصري حرج في ذلك، فمن الطبيعي بعد كل تلك التغييرات السياسية التي حدثت وتوالت نٌصب أعين الوطن أن يضطرب مفهوم الدولة في عقولنا بعض الشيء.
ولأنه قد حان الوقت لاسترداد واستحداث مفهوم الدولة في وعى الإنسان المصري، على الدولة المصرية أن تملك القبضة الكاملة على الشارع المصري، فلا أحد ينكر أن هناك بعض التجاوزات التي لا زالت تحدث على المستوى المجتمعي، لقد حققت المؤسسات الأمنية النجاح المطلق في تحقيق الأمن والأمان لمصر من أي تهديد خارجي في وقت وجيز ولكن حان الوقت أن نطلب إياها في تحقيق النجاح المطلق أيضا في بعض التجاوزات التي تحدث في شارعنا المصري.
وعلى رأس تلك التجاوزات التي كلنا جزء منها ولا نستثنى أحدًا قط : كل أشكال وأنماط الجريمة الأسرية من إساءة أو تعسف أو التعدي الجسدي أو التعدي اللفظي، أي شكل من أشكال التخريب للمواصلات والمرافق والحدائق العامة، أي شكل من أشكال التنمر أو الابتزاز أو التحرش اللفظي أو الجسدي الذي لا يرقى لدرجة الجريمة مكتملة الأركان، أي شكل من أشكال التعدي على ممتلكات الدولة من افتراش الأرصفة بواسطة الباعة الجائلين وحتى وضع اليد واستباحة الأراضي، أي حادث سير يعطل بل يشل حركة المرور، أي تجاوز مروري أو مصاب حادث أي شكل من أشكال الشحاذة، أي شكل من أشكال إثارة البلبلة والفزع ونشر الشائعات.
فمن المثير للدهشة في سلوك المواطن المصري، أنه إذا رأى في الشارع أي فعل يتعارض مع القيم الشرقية والمجتمعية، تتأجج بداخله النخوة لاتخاذ اللازم لمنع ذلك وكأن السلوك الايجابي الذي يجب أن نتحلى به جميعًا اقتصر فقط على ذلك المشهد ! ولكن غير ذلك فنحن نستكين للسلوك السلبي الذي يجعلنا أن نعزف عن مساعدة المسن والطفل الضال والإبلاغ عن أي تجاوز أمنى أو عقاري أو حكومي أو مجتمعي.
ومن هنا وحتى يصل المواطن المصري للسلوك المجتمعي المسئول والمرجو،على الدولة أن تفرض وصايتها علينا جميعًا لا بالقهر ولا بالتعسف ولكن بنيّة تقويم هذا السلوك حتى يثبت بداخلنا ويصبح توجه مجتمعي كامل وناضج.
ربما نحتاج إلى دوريات أمنية شرطية متحركة في كل حي ومركز تتحرك فقط لرصد التجاوزات وإصلاحها والتحذير وعلى المتجاوز أن يتحمل المسئولية، تتحرك لمنع كثير من الجرائم الأسرية التي باتت تتفشى في مجتمعنا وتغنى على تلك الوتيرة الجماعة المنحلة بل تتاجر بها، تتحرك لترصد التجاوز ولإرساء الحوكمة وسيادة الوطن، لتساعد المسن والطفل الضال وسيارة الإسعاف المتعثرة في شوارعنا المزدحمة.
فالفائدة هنا مزدوجة، نحتاج لهذا التواجد الأمني المتحرك لكي لا نرى التجاوزات في الشارع تلتهم المجتمع ونحمى حق المواطن الصالح في العيش الكريم ونعزز دور المؤسسات الأمنية أكثر لمزيد من تحقيق جودة حياة أفضل بنشر الصلاح وتحقيق العدل.
فانتهاك العِرض وانتهاك الإرث جرائم يعاقب عليها القانون بأشد العقوبات، فماذا عن انتهاك وطن يستحق أن يكون أفضل الأوطان؟