مجموعة أحداث إرهابية واكبت قرار أمريكى لا يزال يحيطه التخبط بسحب قواتها من سوريا.. ثم الترحيب الفورى من جانب تركيا بالقرار، مع إعلان أردوغان لترامب، استعداد بلاده تولى الأمن فى منطقة «منبج» السورية! بعد أيام قليلة تعرض مطعم فى المدينة لانفجار راح بين ضحاياه أربعة جنود من القوات الأمريكية. أما العُرف الذى تباهت أمريكا بتصديره للعالم، عن عدم تركها ثأر جندى من قواتها، يبدو أنه أصبح ضمن مخلفات النظام العالمى القديم، بعد سماحها لهذا التفجير أن يمر مرور الكرام. أعقب تفجير «منبج» استهداف انتحارى بسيارة مفخخة، رتلًا للقوات الأمريكية جنوب مدينة «الحسكة»، أسفر أيضا عن إصابة جنديين أمريكيين، ومقتل خمسة مرافقين لهم.
التقرير الذى تداولته معظم المواقع الإخبارية عن معلومات كشفها موقع «نورديك مونيتور» السويدى، أضاف ملفا جديدا إلى عشرات الوثائق الدامغة- بالصوت والصورة- التى تؤكد ارتباط النظام التركى بالجماعات الإرهابية. ولادة الارتباط بدأت عام 2011 مع إنشاء مكتب خاص للمخابرات التركية فى سوريا، يضم ضباط جيش وشرطة سابقين لتدريب وتسليح وتنظيم جماعات إرهابية هناك، بينهم عناصر من تنظيمى «القاعدة وداعش». بعيدا عن الخوض بين دهاليز «المؤامرة»، تتجه جميع خيوط وأدلة هذه الموجة من التفجيرات إلى ربطها بتركيا.
ليس من باب الصدف المجمعة، أن تتابع الوقائع يحمل تأكيدًا على ربط أعمال العنف فى قطاعات سوريا بطرف محدد يفرض سيطرته على هذه المناطق.. المجلس العسكرى فى «منبج» قبل يوم من وقوع الانفجار، أعلن اعتقال خلية إرهابية تعمل بتوجيهات من مخابرات تركيا، اعترف أعضاؤها بالمشاركة فى عملية «درع الفرات» العسكرية التركية، والعمل مع المخابرات التركية. «بريت ماكجروك»، مبعوث واشنطن للتحالف الدولى، الذى استقال اعتراضا على قرار ترامب، اعترف فى حوار أجراه مؤخرا مع قناة «CNN»، (قضينا طوال المفاوضات نحث أنقرة على منع تسلل داعش من تركيا إلى سوريا، إذ كانت أغلب مصادر دعم التنظيم قادمة عبر الحدود التركية السورية، ما جعل أجواء التعاون محبطة جدا، حيث لم تقم تركيا بإجراءات جادة على الحدود لمنع ذلك الدعم)، معتبرا أن تركيا لا تمثل شريكا موثوقا للتحالف فى الحرب على داعش، وأن دخول الجيش التركى لسد فراغ القوات الأمريكية، سيساعد حتما على عودة تهديد التنظيم.
الباحث الأمريكى مايكل روبن، حذر الأسبوع الماضى، فى مقال بصحيفة «واشنطن أكزامينور» من توالى شحنات السلاح التركى إلى التنظيمات المتطرفة فى سوريا، وأن ثبوت الشراكة بين تركيا وهذه الجماعات يشكل تحديا أمنيا خطيرا قد يتجاوز حدود المنطقة العربية.. وهو ما حدث فعلا، حين أعلن مسئولون فى أمريكا عن العثور على ترسانة أسلحة مخبأة فى مدرسة ثانوية، شمال ولاية نيويورك، تعود لتنظيم داعش، ما يقود إلى آخر مجموعة هذه الصدف المريبة مع اعتراف القضاء التركى باضطلاع جهاز المخابرات التركية منذ عام 2013 فى القيام بعمليات «الراية الزائفة»، وهو مصطلح يشير إلى عمليات إرهابية ينفذها النظام، ثم ينسبها إلى أطراف أخرى.. ذلك بعدما أثبتت محكمة تركية، صحة تسجيلات صوتية بين مسئولين أتراك ضمنهم وزيرى الخارجية والدفاع السابقين، تتضمن التنسيق لهذه العمليات، بالإضافة إلى اعتراف المسئولين أنفسهم بصحة هذه التسجيلات، التى تمتلك وكالة الأمن القومى الأمريكى نسخا منها!. رسالة الترحيب التركى بالقرار الأمريكى لا تحتمل التأويل، كونها فرصة ذهبية تحقق تسليم أمريكا المنطقة لها، لتقضى تركيا واقعيا على فصائل القوات الكردية، فى إطار أكذوبة محاربتها تنظيم داعش.. بل وصل الأمر رفض تركيا طلب وحدات الحماية الكردية دخول منبج - الفصيل الكردى السورى الذى تعتبره تركيا منظمة إرهابية، وهو الحليف الحقيقى الوحيد لأمريكا فى سوريا- بالإضافة إلى رفضها دخول قوات الجيش السورى لحماية العرق الكردى من التهديد التركى. أردوغان استغل رؤية رجل المال ترامب، والتى تعتمد إدارته منطق الربح والخسارة، مع إدراك الرئيس الأمريكى أن حربا وشيكة لاستنزاف أمريكا ماديا وبشريا، ستسهدف قواته فى سوريا، فى المقابل هو متسق تماما مع ما أعلنه فى برنامجه السياسى، عن رفض إدارته مستقبلا تحمل التكاليف البشرية والمالية للتدخل الأمريكى فى العالم.. لذا لجأ أردوغان إلى تحفيز الانسحاب الأمريكى، مستغلا صلاته مع التنظيمات الإرهابية فى سوريا.
كلا الطرفين الإقليميين، «تركيا - إيران» سيسارعان للهرولة نحو استثمار الانسحاب الأمريكى لسد الفراغ وتقاسم السيطرة على الأراضى السورية.