واقع مؤلم تعيشه بعض المجتمعات العربية، وسنوات من الدماء والدمار والمآسى التى تبكى لها القلوب، والأرقام لا تزال تتصاعد مع استمرار الاقتتال والصراعات والفتن الداخلية وعنفوان جماعات الإرهاب والتطرف التى لا ترحم صغيرًا ولا كبيرًا، وقد كان لقطر نصيب الأسد فى خلق هذه الحالة المزرية فى الوطن العربى، والتسبب فى تشريد الأبرياء وتقتيل الآلاف وتدمير البلدان، جريًا وراء أجنداتها السلبية التى لا تخدم سوى قوى الإرهاب والتطرف والفوضى، وقد سخرت فى سبيل ذلك شتى أدواتها السياسية والاقتصادية والاستخباراتية والدينية والإعلامية وغيرها، لتشعل النيران فى المنطقة، وتصب الوقود عليها.
لقد قامت قطر بتسخير منابرها الدينية والإعلامية للترويج للفتاوى المتطرفة التى تخدم أجنداتها، ولم تكتف بذلك، بل تبنتها واقعًا عمليًا، وانتهجتها فى سياساتها، وقد كان المدعو يوسف القرضاوى أحد أبرز الوجوه التى استخدمتها قطر لغسل الأدمغة دينيًا عبر الفتاوى المتطرفة، فظهر فى منابر المساجد والشاشات القطرية مشرعنًا للتفجيرات الانتحارية والاغتيالات وبالأخص اغتيال الرؤساء والتدخل فى شؤون الدول والمساس بسيادتها والتحريض ضد مؤسساتها والتحريض على الثورات التخريبية ودعم التنظيمات المتطرفة والدعوة لنصرتها وتمويلها، إلى غير ذلك من الفتاوى التى أصابت المجتمعات فى مقتل ومزقتها شر ممزق وسال بسببها أنهار الدماء.
ولم يكتفِ القرضاوى بإبداء الأحكام المغلوطة فى هذه القضايا فقط بل قام بتزيين فتاواه، وإلباسها الأقنعة البراقة، وتغذيتها بشعارات جهادية، لتغرير جموع الناس بها، ففيما يتعلق بأعمال الفوضى والثورات التى استهدفت استقرار الدول ووحدتها لم يكتف القرضاوى بشرعنة هذه الأعمال فقط، بل قام بإعطائها أحكام الجهاد فى سبيل الله، وأجاز الجمع والقصر فى الصلاة والإفطار فى الصيام والاعتكاف فى الساحات والميادين مدعيًا أنها ساحات مساجد، كل ذلك لتغذية الجموع والتغرير بهم ليكونوا أداة لهدم استقرار دولهم وأوطانهم من حيث لا يحتسبون.
ولم تكن هذه الفتاوى مجرد حبر على ورق أو صيحة عابرة فى آذان، أو حتى عملية غسل ممنهج للأدمغة فقط، بل تبنت قطر هذه الفتاوى المتطرفة فى أجنداتها الخارجية وسياساتها العملية، وقامت بتنفيذها على أرض الواقع، ففيما يتعلق بفتاوى الاغتيالات انكشف للعالم أن قطر كانت ضلعًا رئيسيًا فى التخطيط لمحاولة اغتيال العاهل السعودى الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، فى عام 2003، لتكون هذه العملية الإجرامية وصمة عار فى جبين النظام القطرى، وفيما يتعلق بمحاولة هدم استقرار الدول والتدخل فى شئونها ومحاولة تمزيقها كانت التسجيلات المسربة كاشفة عن ذلك بوضوح على لسان أمير قطر السابق حمد بن خليفة ورئيس وزرائها السابق ووزير خارجيتها حمد بن جاسم، وقد اعترف هذا الأخير بصحة هذه التسجيلات المسربة، التى كشفت عن تآمر النظام القطرى ضد السعودية، والتخطيط لتمزيقها، وخلق الصراعات فيها.
وفيما يتعلق بمخططات الفوضى فى المنطقة عمل النظام القطرى على تأجيج الشارع العربى، وخلق حالة من الصدام والفتن الداخلية فى المجتمعات العربية، دون أى اعتبار لنتائج ذلك وتداعياته، وقد كانت النتائج مأساوية كارثية، فقد خلَّفت ملايين الضحايا بين قتلى ومشردين ولاجئين يعانون الذل والفقر والمرض واليأس، ولا تريد قطر إلى الآن أن تفوق، وتدرك حجم الضرر الذى تسببت به ضد الشعوب العربية.
وأما فيما يتعلق بفتاوى دعم الإرهاب والتطرف فنجد أن قطر فتحت أبوابها أمام الإرهابيين والمتطرفين، وكانت قبلة لهم، آوتهم على أرضها، وفتحت لهم منصاتها الإعلامية، ودعمتهم ماديًا، كما كانت لها اليد الطولى فى تمويل التنظيمات المتطرفة ودعمها فى مختلف مناطق التوتر والصراع، سواء فى سوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن أو غيرها، كما حمل النظام القطرى على عاتقه ابتداء من أعلى الهرم، ومرورًا بكوادره السياسية الدفاع المستميت عن تنظيم الإخوان، وتلميع صورتهم، فى مختلف المحافل العربية والدولية، ضاربين الجهود العربية لمكافحة الإرهاب عرض الحائط، وهذا ليس بغريب عليهم وهم يحتضنون القيادى الإخوانى البارز يوسف القرضاوى، الذى صرح فى لقاء قريب بصريح العبارة بأنه لم يخرج من الإخوان بل هو جزء منهم.
وأخيرًا فإن العقلاء يعلمون أن حل أزمة قطر بيدها، وذلك بأن تمتلك أولًا الشجاعة فى الاعتراف بالخطأ وتصحيحه، والقبول بالشروط العربية التى ستعيدها إلى مسارها الصحيح، بدلًا من أن تتمادى فى سيرها فى النفق المظلم الذى يقودها إلى الهاوية، والواقع اليوم يشهد جهودًا عربية حثيثة للملمة الصفوف، ومعالجة الجروح، لكن قطر لا تزال تغرد خارج السرب، وتستقوى ببعض القوى الإقليمية على حساب أشقائها، ماضية فى أجنداتها المعادية لهم، غير مدركة أن التنظيمات التى تساندها هى كالثعابين التى ستنهشها، وأن هذه التنظيمات لا محالة إلى زوال، وأن تلك القوى التى تستقوى بها ستبيعها فى أدنى تقاطع فى المصالح، وأنها هى الخاسرة.
(نقلًا عن البيان الإماراتية)