الأربعاء 19 فبراير 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

اغتصبوا الأرض ويغتصبون الهوية!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنت فى طفولتى كثيرة الأسئلة، ولا أقبل بالمسلمات دون أن أتناقش وأفهم، ولم أجد أبدا من أسرتى رفضا للمناقشة أو المعارضة، فكانوا يقبلون أسئلتى ويحاوروننى بصدر رحب.. وكنت أحيانا أتساءل فى الأمور الدينية وأتناقش فيها، وأرفض بعض الآراء التى تتناقض مع فهمى أو لا يتقبلها عقلى.. ورغم صغر سنى وقلة معلوماتى لم أجد منهم رفضا أو توبيخا، بل وجدت تشجيعا على القراءة والفهم والإطلاع.. وأذكر فى المرحلة الإعدادية أحد زملاء الدراسة المسيحيين، والذى كان يحب النقاش فى الأمور الدينية، والفروق بين الديانة الإسلامية والمسيحية، وكنا نتناقش بهدوء، ويحاول كل منا أن يثبت للآخر وجهة نظره ويدافع عن دينه.. ورغم الاختلاف كنا نتحاور بمنتهى الاحترام، ودون أن يهاجم أو يسخر أى منا من الآخر أو دينه.. وقد كان زميلى هذا يكبرنى بعام، وكان أكثر ثقافة وإطلاعا وخاصة فى الدين، فكان يحفظ بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ويحاول أن يستخدمها لإقناعى بوجهة نظره، ورغم أننى كنت أحيانا لا أستطيع الرد عليه بالحجة، إلا أن فطرتى كانت ترفض ما يقوله، وهو ما دفعنى للقراءة والبحث حتى أملك من الحجج ما يمكننى من خلاله الدفاع عن دينى.. وكنت أشعر بسعادة بالغة حين أنتصر عليه بحجتى، ولكن لمست من خلال ذلك أهمية الفهم الصحيح للدين، والضرورة الملحة لإيجاد طرق مبسطة لشرح الأمور الدينية، والرد على ما يقوله المستشرقون، والذين انتقوا من الدين الأمور الغريبة أو غير المفهومة حتى يستخدمونها للهجوم على الإسلام.
وللأسف وجدنا فى عصرنا الحالى من يتبنون وجهات نظرهم، ويحاولون التشكيك فى السنة الشريفة، والتى استقينا منها الكثير من العقائد والعبادات.. صحيح نسمع أحيانا أحاديث لا تتفق مع المنطق، ولكن هذا يستلزم أن يقوم رجال الدين بواجبهم، فى الدراسة والبحث حتى نفهم المعانى المجهولة.. وبدلا من غضبهم من النقاش، عليهم أن يعكفوا على دراسة كل ما يوجه للدين الإسلامى من نقد، ويردوا على كل ما فيه من غموض أو أمور غير منطقية على حدة، بأسلوب مبسط يفهمه العامة، حتى لا يتمكن أحد من تشكيكهم فى دينهم.. ورغم أننى من المؤيدين لإعمال العقل والتفكير فى كل شىء، إلا أننى أشعر كثيرا بأن كلمة «تجديد الخطاب الدينى»، يحاول البعض استخدامها كحق يراد به باطل!!.. فيحاولون من خلالها إلغاء السنة شيئا فشيئا، ثم التشكيك فى القرآن أيضا، ودائما يذكرنى هذا بمصطلح «الإسلام الجديد»، والذى سمعته لأول مرة فى ألمانيا فى أواخر التسعينيات، حيث كنت أشارك فى أوركسترا «إيست ويسترن ديفان» أو أوركسترا ديوان الشرق والغرب، وهو أوركسترا يجمع شباب من العديد من الدول العربية والغربية، ولكن كان يعتمد بشكل أساسى على المنطقة العربية أو ما يطلق عليه «الشرق الأوسط» - وهو المصطلح الذى أطلقه الغرب وفقا لمصالحهم، ويشير للمنطقة العربية، والدولة الصهيونية، وتركيا وإيران- فكان أغلب الشباب المشارك من الدول العربية وألمانيا والولايات المتحدة وإسرائيل.. وكان صاحب فكرة إنشاء الأوركسترا هو عازف البيانو والمايسترو العالمى دانيل بارينبويم وهو أرجنتينى الأصل ولكن يحمل الجنسية الإسرائيلية.. وقد شاركت أنا وزملائى المصريين فى الأوركسترا لعامين متتاليين بشكل رسمى، حيث كان السفر بقرار وزارى من وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، وكنا لا نزال طلابا فى الكونسرفتوار.. ولكن بعد أن اتضح أن هناك أبعادا سياسية لهذا المشروع، وأن أحد الأهداف الأساسية كان اختلاط العرب بالإسرائيليين، توقفت مشاركة كونسرفتوار القاهرة فى الأعوام التالية.. ورغم أننى وكل من شارك فى هذا المشروع استفدنا كثيرا من الناحية الفنية، إلا أننى شخصيا مازلت أحمل غصة كلما تذكرت تلك التجربة.. فعلى هامش المشاركة فى الأوركسترا والإعداد للحفل الختامى من بروفات وتدريبات وتحضيرات، كان يتم عمل دورات مختلفة فى مجال العزف، بالإضافة لأنشطة ترفيهية، ونقاشات مفتوحة وندوات.. وكان الكثير من النقاشات تبث السم فى العسل، فأذكر إحدى الندوات التى سببت أزمة كبيرة، حيث فوجئنا بأحد المفكرين السوريين المسلمين قد جاء خصيصا للهجوم على الإسلام، والحديث عمّا أسماه «الإسلام الجديد»!!. حيث كان يتحدث عن ضرورة تنقية الإسلام مما اعتبره لا يناسب العصر!!.. فسبب غضبا شديدا لكل المسلمين المتواجدين.. وكان يصاحبنا فى السفر الأستاذ الدكتور/فوزى الشامى عميد الكونسرفتوار آنذاك، فطالبنا أن نحزم حقائبنا ونستعد للعودة لمصر فورا، بعد هذا الهجوم الذى اعتبرناه جميعا إهانة!!.. ولكن بعد اعتذارات ومحايلات المسئولين هناك وعلى رأسهم «بارينبويم»، وادعائهم عدم معرفتهم بما قاله «السورى» مسبقا، لم نسافر على وعد بعدم تكرار ذلك مجددا!!.. ولكن الغريب بعد هذه السنوات، أننا وجدنا ما قيل وأغضبنا، يردده الكثير من المصريين دون غضاضة!!.. لذلك أحزن كلما شعرت بالنوايا الخفية التى تستتر خلف بعض المقولات، لأننى شاهدت بأم عينى تجسيد القوة الناعمة، وكيف يمكن أن تستخدم؟!..وكيف تتخلل للعقول والنفوس دون أن ندرى!!.. أدركت كيف تكون الحرب الناعمة التى لا تغتصب الأرض ولكنها تغتصب الهوية!!.. وكيف تنتزع القيم والمبادئ والجذور المتأصلة؟!.. وكيف يمكن إحلال وتبديل الوعى والفكر وحتى الدين!!.