الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

وما زال النهر يجري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى صخب اللحظة ننسى سر مصر، ذلك النهر العظيم الذي من فرط ارتباط أجدادنا به حسبوه إلهًا، ولم يجد هيرودوت المؤرخ وصفًا لمصر إلا أنها هبة النيل، وما بقي النهر يجري سنظل متمسكين بالحياة وبالثقة في غد أفضل رغم الغيوم والعواصف وخريف السياسة وسنواتها العجاف، فكم جرفت مياهه أدرانًا حاولت أن تغير روح الوطن وماهيته، جاء الهكسوس وجثموا على أرضه لكن الزمن كان يترصدهم ليولد أحمس ويدحرهم على أعقابهم وتغتسل مصر الفتية بمياه النيل وتعاود مسيرتها الحضارية، هكذا كان حال الفرس والرومان، ودول المماليك والعثمانيين وغيرهم، حتى العصر الحديث جاء الإنجليز وذهبوا، وبقيت مصر، تعاود الحميم في النهر الخالد، وتعود بقوة أعظم.
وها نحن نرتطم بصخور مختطفين جدد يتدثرون في عباءة الدين في باطن حصان طروادة، يخطفون أبصار البسطاء لكن إلى لحظة وإن طالت، وهم يحملون معهم معطيات سقوطهم، عندما يناصبون التعدد والتنوع العداء، وعندما يتعقبون الجمال والفن والإبداع، وهم يطلون علينا بعبوس وقنوط لم نعتده في البشاشة المصرية والأريحية الشعبية، وهم يقوضون السلام الاجتماعي بفعل تمايز مفتعل، وإن دعموه بما يغازل العاطفة العامة والمأسورة بقيود تراجع التعليم والتنوير، والمغيبة بإعلام باع رسالته لإرهاب متحالف مع قوى إقليمية ودولية لم تنس ثأرها القائم والدائم مع وطن صدر الحضارة للعالم وجرف رمالهم وتصحرهم.
ما زال النهر يجري يحمل الخير والنماء، ويعيد للأرض خصوبتها بطميه القادم من جبال القارة السمراء، ويعيد ارتباط المصريين بالإنسانية متجاوزًا انتماءاتهم الضيقة، في انتباهة لأن الدين حياة وعمل وقبول للتنوع والاختلاف، ولعلنا ما زلنا نذكر الترجمة الشعبية التي قالت بأن العمل عبادة بجوار أن العمل حق، بل وواجب أيضًا.
على أن الأمر يتطلب أن نجلس على ضفاف ذلك النهر الخالد لنتدبر أمرنا، هل نعول على التاريخ أم نستثمر دروسه، نقوم ونبني، نواجه واقعنا بموضوعية وحسم؟
ولعل نقطة الانطلاق من داخل القوى المدنية بتجمعاتها العديدة.. دعونا نبحث عن المشترك، في مواجهة خطر جاثم ووطن يتفتت، عبر آلية الحوار، فإما الحوار أو الانتحار، وفي مقدمة تلك القوى تأتي جبهة الإنقاذ التي يجب أن توسع قاعدتها؛ بدعوة بقية القوى المدنية للانضمام والخروج من الدائرة التقليدية والوجوه المكررة، وتكليف فريق من الباحثين بوضع تصور واقعي لخريطة طريق موقعة على الحياة اليومية؛ للخروج من مصيدة التفتت وسعي انقضاض الظلاميين.
تقدم رؤية لصد هجمات احتلال الوطن، في الإعلام والقضاء والأحزاب والمجتمع المدني والتعليم والثقافة، تنتبه لمد فعالياتها للقرية والعشوائيات والحارة، عبر سلسلة من الشباب الوطني الفاعل، ومعهم العديد من الفضائيات المؤثرة، بعيدًا عن ندوات الخمس نجوم، فالوقت يداهمنا والقوى المتربصة أيضًا.
وما زال نهر القضاء صامدًا، لم تقدر على إيقاف سريانه سدود السياسة وهجمات الغوغاء المحاصرين لصرح المحكمة الدستورية في غياب الدولة، المتعمد أو المتراخي، وعلينا أن نجيش دعاوى البطلان والطعن على دستورية كل ما يقيد الحريات والحقوق كما عرفها العالم المتحضر، حتى يسقط وهم الترويع والمغالبة.
ولنثق أن المعركة متعددة الجوانب والمراحل، منها ما هو آني ومنها ما هو إستراتيجي؛ ولذلك لا بد من مواجهة محاولات تثبيط الهمم أو نشر اليأس، حتى تنفجر طاقات الشارع المقاوم للمستبدين الجدد حتى تجرفهم مياه النهر مجددًا، هكذا كان صوت الشعب في 1919 رغم أن المواجه وقتها كانت مع الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس، فقهرها الفلاح البسيط الفقير والأمي والمقهور –ظاهريًّا- لكنها لحظة اكتشف فيها المصري سر الأرض وسر النهر، فغسل همومه واستبدل ضعفه بقوة العزيمة، متى اكتشفنا سر المصري سننتصر للحرية ولمصر التاريخية، وحتمًا سننتصر.. طالما النهر يواصل جريانه.