إذا صدر من فقيه دستورى فى مكانة الدكتور علي عبد العال بأن التعدى على أى صحفى أمر غير مقبول، وحدد المقومات القانونية للتعدى فهى ليست مجرد جريمة، لكنها جريمة مركبة فى حق حرية الرأى والتعبير وإشارة الرجل إلى صحيح المواقف الدستورية، لتصبح الصحافة ليست مهنة، لكنها رسالة، وصاغ معادلة جديدة على ساحة الحريات، فهو اصطلاح غير مسبوق فى الفقه المتداول مشددًا على الصحافة الحرة، ورغم أن هذه المواثيق لم تكن مكتوبة، إلا أن توثيقها فى المضبطة أعاد إلى العمل المهنى ما يستحقه من التزام، وقد وجه إسنادا ضد ما صدر من نقيب الصيادلة تجاه الصحفيين، وهو إسناد يستلزم اتخاذ ما هو لازم تجاه رمز لمهنة يعتز بها المجتمع، والفيصل فى أى إجراء يتخذ يخضع فى كل المراحل لرقابة القضاء، سواء كان قضاءً دستوريا أو جنائيا أو إداريا، لأن الجريمة وفقًا لما وصفها ممثل السلطة التشريعية تؤكد أن الحادث لا يتعلق بنقابة شقيقة لكنها جريمة تتعلق بالنظام العام، وكان يمكن للدكتور على عبد العال بحكم صلاحياته إحالة الأمر للجنة تقصى الحقائق وما تم اتخاذه جعل البرلمان يضع المجتمع كله أمام مسئولياته حتى يعرف إقرار المجتمع المهنى أن مثل هذه التصرفات فى حالة عدم التصدى يعطى الفرصة أمام اللاعبين بالنار الذين يمارسون الألعاب الخطرة.
كلمات الفقية على عبد العال على طريقة «ما قل ودل» بينما الحنجوريون الذين اتخذوا موقفًا إجراميًا أثبتوا أن أقوالهم تندرج تحت «ما قل وضل» فهو يضع الحرية للجميع تحت القبة سياج الضمانات وصانعة التشريعات الحارسة للحدود بين السلطات.
الأمة كلها تعرف أن الصحفيين لم يكونوا طوال تاريخهم دعاة سلطة، وقد طالبت بإلغاء ما يسمى سلطة الصحافة، لأنه لا يوجد فى النظم الدستورية فى العالم ما يسمى بسلطة الصحافة، وإذا كانت هذه العبارة متداولة فى ساحة الأدبيات، مثل عبارة صاحبة الجلالة، فإن الفقيه الجليل قديس السياسية محمد حلمى مراد كتب فى مؤلفه (الرأى الآخر) عن الملكية الشعبية للصحف ويستفاد منها أن المهنة فيها ما يكفيها من معاناة، لكن يضاف لأوجاعها التعدى بالضرب، وفى دار المعتدى مما جعل أنها مهنة (مفخخة) وجعلت من العاملين فيها أن تكون مؤهلاتهم المهنية ليست التعبير ولكن القفز فوق الأسلاك الشائكة، صحيح أن خبراء القانون يؤكدون أن النقابات التى تحدد معالم المهنية وضوابطها وكل نقابة طبقًا للقانون الحفاظ على المكانة الأدبية وهناك قواعد للمحاسبة من بينها فكرة قاضى التحقيق والفصل بين التحقيق وبين توجيه الاتهام ودورها مهنى وأخلاقى والقسم كأساس لمباشرة المهنة.
وبعيدا عن الجدل الفقهى فلا يعرف شباب الصيادلة أن شيوخهم كانوا فى طليعة الجهاد الوطنى وهى أسماء تعرفها الأجيال الذهبية من الرموز الفدائية فى الهندسة جلال بك الحمامصى الذى ترك الهندسة واتجه إلى ساحة الدفاع عن الحرية ونفس الجيل ضم الصيدلى قاسم فرحات صاحب المدرسة فى تأسيس الحضارة الإدارية فى الصحف بمشاركة الدكتور سيد أبو النجا مؤسس علم الإدارة وقد استثمر خبرته فى تأسيس دار أخبار اليوم الذى عمل فيها بالإعلانات ونجح وانتقل إلى المطابع وعرف أسرارها التقنية ولغة تدبير الاحتياجات من الورق والغريب أنه عشق المطبعة ووضع الأسس العلمية لاقتصادياتها وتولى العمل الإدارى واستطاع أن يؤسس مدرسة تواجه فجوة القيادات فى الإعلانات، منهم فهمى أحمد وحسن البحيرى الذى يلقبونه بالساحر ومحمد السيد ومحمد زيان أكبر منتج عرفته الصحافة والإمبراطور الذى أدخل ثورة فى فن التسويق الإعلانى ونجح فرحات فى تقديم وجوه إدارية قيادية وتعاون مع خبير فنون التوزيع أمين عدلى واستطاع بصورة ودية أن يفصل الإعلانات عن الإدارة والتحرير وقدم خبرًا لمصطفى بك أمين حول زواج عدو المرأة ويقصد توفيق الحكيم وأرفق بيانا عن اسم المأذون ودفع الخبر بهذه السخونة ولا أعلم فيه المكافأة التى رصدت لقاسم فرحات لخبر أحدث دويًا، فالجميع يريد أن يعرف السيدة التى أصبحت أقوى من عدو المرأة وحصل بالاعتراف المهنى بقدراته.
وأذكر أستاذى الكبير راغب عبد الملك الذى فتح الأبواب على مصراعيها لأجيال من منتجى الإعلانات على المجتمع الاقتصادى وبفضل قدرات قاسم فرحات، وعندما أنشئ منصب سكرتير عام التحرير وشغله حسين فريد كإشراف تنسيقى، لأن مهارات الخبر تختلف عن عمل الإخراج الصحفى طبقًا للقانون، وكان أستاذنا موسى صبرى عندما تولى رئاسة مجلس إدارة أخبار اليوم أصدر قرارا بالفصل التام بين التحرير والإعلانات والإدارة بمكتب الإسكندرية باعتباره وضعا خاصا، وتكون التبعية لرئيس المؤسسة شخصيًا وهو من المناصب التى لا يصلح فيها التفويض، وهذا راجع إلى أن الإسكندرية تمثل ٢٥٪ من أرقام التوزيع و٢٠٪ من الإيرادات ويتعامل التحرير مع رؤساء التحرير مباشرة.
وتحول قاسم من الصيدلة وعضوية نقابتها لينضم لنقابة الصحفيين بل إن الرئيس عبد الناصر قام بتعيينه عضوًا منتدبًا لمؤسسة أخبار اليوم بناء على ترشيح النائب أنور السادات والطريف أن السادات داعبه قائلًا: يا قاسم الرئيس مبسوط من أرقام الدخل، لكن عاوزك تكافئ أولادى فى المؤسسة من حوافز مالية، لأن عارف أنت يهودى فى حرصك على المال.
ومن ثوابت قاسم فرحات أنه ابتكر مفاهيم مهنية فى الصحافة وهو صيدلى، فكان يقول: إن سنتيمتر عامود فى الصفحة يجب أن يكون أغلى من جرام الذهب وأن المؤسسات الصحفية هى إيرادية والإنفاق الرشيد لا بد أن يحقق فى الخزانة ترجمة مالية تقسم على الجميع، لكن أطرف ما قيل عنه أنه كان يتمتع بقدرة إيرادية تحليلية، حيث طلب من عزيز صدقى وزير الصناعة ضمن إشارته بعدم معرفة الناس بتحقيق ما تم إنجازه من بناء، ووجه بأن يتم نشرها حتى لو كانت إعلانات والعائد الثانى هو امتلاء خزانة المؤسسة وأبتكر فكرة نشر الإعلانات الإخطارية بقيمة مدفوعة مثل حركة الشرطة، حيث طلب الوزير عبدالعظيم فهمى، وزير الداخلية أن ينشر حركة ضباط الشرطة، فطلب منه أن يتم النشر كإعلان مدفوع الأجر نظرًا للأعباء المتزايدة على الصحف وتم تدبير الاعتماد المالى ووزعت على الصحف وتوقف هذا التقليد فى عهد عباس رضوان ثم شعراوى جمعة.
ورغم أن الدكتور قاسم فرحات صيدلى، لكنه لم يهجر مهنته وفى إحدى اللقاءات سئل، لماذا فضلت الصحافة على الصيدلة؟ فرد بكل ثقة قول مأثورى، لأن الصحافة المهنية الوحيدة التى احتضنت كل المهن والحرف والمبدعين وحتى العمالة العادية، ففيها الفن والكرة والثقافة والفكر وفيها الطب بكل فروعه والصيدلة والهندسة والدراسات التجارية والإنسانية والترويج ألا تستحق وهى بهذه القدرات أن ينتسب الجميع إليها ومن أطرف ما كان يقول إن مهنة المهن لا يمكن اختزالها فى برشامة.
هناك حالات كثيرة فى الأسر تجمع الشقيقتين بين الصحافة والصيدلة لكن أسلوب الاحتراب المهنى والتنابذ أو تصور أى مسئول فى نقابة مهنية أنه محكمة تفتيش ويعلم ما هى مهمة الصحافة كما شرحها رئيس مجلس النواب والنقابة ليست مجرد هايد بارك أو تصور المسئول أنه يعيش فى خياله وهم أنه فى قصر التيه، فإنه يلقى سوء جزاء واحد وهو جزاء سنمار.