يخطئ من يظن أنه يجامل النظام الحالي حين ينكر ظاهرة كانت واضحة وضوح الشمس في كبد السماء في الاستفتاء على الدستور الجديد، وهي ظاهرة ضعف إقبال الشباب على المشاركة في الاستفتاء، فما سمعته وشاهدته من انبراء البعض بتكذيب ذلك أو تجاهله والتغاضي عنه، أو حتى التحدّي بأن لا أحد يملك إحصاءات بذلك، بل إن المتحدث باسم وزارة الداخلية صرح بأن الوزارة رصدت مخططا إخوانيا يروج لخلوّ الاستفتاء من مشاركة الشباب.
ورغم كل هذا النفي والإنكار، إلا أن ثمة إشارات مهمة ممن يحرصون على مصلحة هذا الوطن، عملت على احتواء الظاهرة في مهدها، حيث أشادت القوى الثورية والسياسية والشباب بتأكيدات الفريق أول عبد الفتاح السيسي، نائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والإنتاج الحربي، برفضه عودة الوجوه القديمة إلى الساحة السياسية، وتأكيده أن مصر لن تعود إلى ما قبل ثورة 25 يناير، حيث رأى البعض منهم أن الفريق السيسي قد أسدل الستار على هواجس تنتاب البعض ويسوق لها أصحاب المصالح.
كما سارعت الحكومة - ممثلة في عدد من وزرائها - إلى الاجتماع مع بعض القيادات الشبابية اجتماعا مطولا استغرق 5 ساعات، بسبب المطالب المتشددة التي قدمها هؤلاء الشباب، فيما انتقد ممثلو الحكومة عزوف الشباب عن المشاركة بالاستفتاء، وطالب هؤلاء الشباب الحكومة بالعمل على سرعة سد الفجوة المتزايدة مع الشباب، والتي تزداد يوما بعد يوم، بسبب عودة دولة مبارك وفلوله - بحسب توصيفهم - ما أدى إلى عزوف الشباب عن المشاركة في الاستفتاء، وهو ما نفاه الفريق السيسي كما سبق وذكرنا.
وأتت الإشارة الثالثة والمهمة من رئيس الجمهورية، المستشار عدلي منصور، والذي توجه إلى الشباب في خطابه - عقب إعلان نتيجة الاستفتاء - قائلا إن الشباب المصري "وقود ثورتين"، مؤكداً أنهم مستقبل هذه الأمة، وأن الشباب يجب أن يكونوا على قدر المسؤولية، وأن دورهم لم يكتمل بعد، كما أشار إلى أن الشباب المصري مقبل على مرحلة البناء والتمكين، لافتاً إلى ضرورة أن ينخرطوا في الحياة السياسية بمفهومها الواعي في ظل حريات مكفولة.
إن هذه الإشارات المهمة الثلاثة التي أتت من رموز النظام الحالي، هي دليل على إدراك الدولة للظاهرة وعدم سماعها لمن يتطوع لإنكارها مجاملة للنظام، وهذا ما يجب أن يكون عليه رجال الدولة الذين يقرؤون الظواهر السياسية بفهم ووعي، ويتعاملون معها بحنكة واقتدار، إلا أنني أرى أن ما تم تقديمه حتى الآن لا يزال غير كاف لاحتواء الظاهرة.
يجب أن يشعر هؤلاء الشباب أنهم جزء أصيل من خارطة المستقبل، فأي مستقبل إن لم يكن الشباب - الذين يمثلون أكثر من نصف الأمة - جزءا منه أو في القلب منه؟!، وبالتالي يجب وضع آليات لتضمين الشباب بشكل فاعل في هذه الخارطة، أو لنقل وضع آليات لتمكين الشباب لكي ينطلقوا بهذه الأمة إلى المستقبل، ويمكن أن يتم بحث هذه الآليات من خلال مؤتمر موسع يحضره كبار رجال الدولة وعلى رأسهم رئيس الدولة المستشار عدلي منصور، والدكتور حازم الببلاوي رئيس الحكومة، والفريق عبد الفتاح السيسي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والإنتاج الحربي، ويجب الإعلان عن عقد هذا الاجتماع في ذكرى ثورة 25 يناير، وذلك تكريما للشباب المصري الواعي الذي كان وقودا لثورتي 25 يناير و30 يونيو على حدّ تعبير رئيس الدولة، والذي لولاه ما تحررت مصر من القهر والطغيان، ويجب أن تكون قرارات هذا المؤتمر ملزمة لكل أجهزة الدولة.
كما يجب تحديد موعد لفتح باب الترشح للانتخابات المحلية، وهي أيضا إحدى الآليات المهمة لتمكين الشباب، وممارسته للعمل السياسي وتمرّسه فيه كبداية لاضطلاعه بمسؤولية قيادة البلاد في المستقبل، كما تجب مساندة الشباب للترشح في بعض الدوائر في انتخابات مجلس الشعب المقبل.
إن الأفكار كثيرة، وكلها تنبني على بديهية لا بدّ أن يدركها أي مرشح قادم أو محتمل لرئاسة مصر، وهي أنه لن ينجح أي رئيس قادم لمصر دون أن يسانده شباب مصر.