لأن الفساد لا يقل خطورة على دولة الثلاثين من يونيو عن جماعات الإرهاب والفوضى؛ فإن أغلب أجهزة ومؤسسات الدولة تتحرك إلى تطهير نفسها من الداخل عبر إجراءات وخطوات قانونية وإدارية معقدة من شأنها تفكيك شبكة الفساد البيروقراطى التى تشكلت واستشرت عبر عقود طويلة.
وزارة البترول إحدى المؤسسات التى شرعت فى شن حرب ضروس على الفساد بشتى صوره، بدءا من الإهمال، وصولا إلى التلاعب والتربح وإهدار المال العام، فقد أكد لى المتحدث الرسمى باسم الوزارة حمدى عبدالعزيز، أن كلا من الشئون القانونية بوزارة البترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس»، قد بادرتا إلى فتح ملف المخالفات المالية والإدارية بشركة بتروتريد، والتى نشرتُ جانبًا منها فى هذه الزاوية الأسبوع الماضي.
وتأتى تحقيقات الوزارة والشركة القابضة فى سياق اعتراضات من قبل العاملين بالشركة على قيام إدارة الشئون القانونية الخاصة ببتروتريد، بمباشرة التحقيق فى وقائع التلاعب وإهدار المال العام والمخالفات الإدارية كونها طرفا غير محايد لوقوع المخالفات التى رصدها تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات فى ظل وجود هذه الإدارة.
كذلك أعلن رئيس مجلس إدارة الشركة الجديد دكتور وسيم وهدان، الذى تولى مهام منصبه نهاية الأسبوع الماضى أنه جاء لتطهير الشركة وتفكيك شبكة الفساد البيروقراطى داخلها، وأنه لا ينوى البقاء طويلا فى منصبه فى إشارة إلى سرعة تحركه للتحقيق فى كل ما ارتكب من مخالفات وتجاوزات وإحالة المسئولين عنها إلى الجهات القضائية المختصة، وقد طلب نسخة كاملة من كافة تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات وغيرها من الجهات الرقابية الخاصة برصد أعمال الشركة والمستندات الأصلية المرتبطة بعدد من وقائع التلاعب وإهدار المال.
وفى رد فعل من جانب بعض العاملين بالشركة والمتضررين من سياسات مجلس الإدارة السابق على ما نشرته «البوابة» الأسبوع الماضى، قاموا بإعداد مذكرتين لكل من رئيس الجمهورية والنائب العام، اشتملتا على ما ورد فى تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات وعدة وقائع أخرى، خاصة بأوضاع العاملين فى الشركة وحقوقهم التى يكفلها قانون العمل.
ومن أهم ما جاء فى البلاغ، قيام الشركة برد مبلغ يتخطى المليون ومائة ألف جنيه للشركات العارضة بمعرض السلع المعمرة خلال فترة تنظيم المعرض، بحجة تحقيق تلك الشركات لخسائر كبيرة بسبب انخفاض البيع رغم رصد التقرير قيام الشركات بعمليات بيع تجاوزت الـ12 مليون جنيه خلال خمسة أيام فقط، وقد طالب البلاغ بإحالة هذه الواقعة، وكل ما ارتبط بمخالفات معارض السلع المعمرة، ونشاط الرحلات والمصايف إلى نيابة الأموال العامة.
ونواصل نشر بعض الوقائع بموجب ما لدينا من وثائق ومستندات وتقارير رقابية؛ حيث رصد تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات شغل مصطفى بهجت وظيفة مدير إدارة النشاط الرياضي، وعصام رمضان وظيفة مدير إدارة المصايف والرحلات، وذلك بالمخالفة لمتطلبات شغل تلك الوظيفة والتى تشترط الحصول على مؤهل عالى؛ حيث تبين حصول الأول على مؤهل فوق متوسط والثانى على مؤهل متوسط.
كما رصد التقرير قيام رئيس الشركة السابق المحاسب جمال خليف بإصدار القرار رقم 94 لسنة 2017، بقيام مصطفى بهجت بتسيير أعمال الإدارة العامة المساعدة للعلاقات العامة والرحلات، بالإضافة إلى عمله الأصلى كمدير لإدارة الخدمات الاجتماعية، والتى ترتب عليها حصوله على مزايا عينية دون وجه حق، علما بأن تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات قد رصد عدة مخالفات ارتكبها بهجت، وقد أشير إليها تفصيلا الأسبوع الماضي.
وتأتى قرارات رئيس الشركة السابق شغل أصحاب المؤهلات المتوسطة وفوق المتوسطة لوظائف ومناصب إدارية بما يخالف القانون فى الوقت الذى قامت فيه الشركة بإجبار موظفى المستوى الأول من أصحاب المؤهلات العليا بالقيام بأعمال التحصيل التى لا يقوم بها طبقا للقانون ولائحة الشركة سوى أصحاب المؤهلات المتوسطة؛ حيث تم إجبار إخصائيين قانونيين ومحاسبين على تحصيل فواتير الغاز، وعندما رفض بعضهم الانصياع لقرارات الشركة، قامت بنقلهم أو فصلهم تعسفيا منهم الإخصائى القانونى خالد سعد الدين عبدالودود، الذى رفض الرضوخ لتهديدات الشركة فقامت بفصله تعسفيا، خاصة بعد لجوئه إلى القضاء الإدارى، وكشف المستور فى ملف بدلات المخاطر، التى كانت مقررة للعاملين فى الأماكن الخطرة كمحطات ومستودعات البنزين، وامتنعت الشركة عن صرفها رغم تعاقدها مع الهيئة العامة للبترول، التى تدفع بموجب ذلك التعاقد مبالغ مالية تشتمل على بدل المخاطر.
ورغم قيام رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» المهندس أسامة البقلي، بإحالة مساعد رئيس شركة بتروتريد لمناطق القاهرة الكبرى، أيمن فاروق إلى التحقيق بسبب مخالفته القانون ولوائح الشركة بإجبار أصحاب المؤهلات العليا على أعمال لا تناسب وضعهم الوظيفي، إلا أنهم لا يزالوا يقومون بأعمال تحصيل الفواتير.
وقد جاء فى قرار الإحالة ما نصه «عدم جواز تعديل المسمى الوظيفى أو تعديل طبيعة العمل للموظفين، ولا يجوز تشغيل موظفى المستوى الأول الحاصلين على المؤهلات العليا أو موظفى المستوى الثانى، الذين قاموا بتعديل مؤهلهم الدراسى إلى المستوى الأعلى بعمل أقل من مستواهم العلمى والوظيفي، وإحالة أيمن فاروق مساعد رئيس الشركة إلى التحقيق لما بدر منه من تجاوز التسلسل الوظيفى، وتجاوز اختصاصات عمله والخطوات المنصوص عليها لتقديم الطلبات والشكاوى ومحاولة إثارة البلبلة.
ينتظر الدكتور وهدان رئيس بتروتريد الجديد عدة مهام منها ملف مطالب العاملين، والتى تسبب تجاهل سلفه لها فى تنظيم إضرابات واعتصامات خلال الأعوام الثلاثة الماضية، تحملت الشركة بسببها خسائر قدرت بأكثر من 100 مليون جنيه، وقد نشرت فى هذه الزاوية أهم تلك المطالب فى سبتمبر 2016، ومنها تصحيح أوضاعهم الوظيفية بناء على اللائحة التأسيسية للشركة لمساواتهم بزملاء لهم عينوا عليها، وضم عامى التعاقد قبل التعيين إلى سنوات الخدمة، وفتح ملف المفصولين تعسفيا، خاصة بعد ثبوت حقهم بالتمسك بطبيعة عملهم طبقا للمؤهل الدراسى بعد إحالة مساعد رئيس الشركة للتحقيق من قبل رئيس الشركة القابضة، وملف المنقولين تعسفيا بسبب دورهم فى كشف بعض المخالفات والتجاوزات المالية والإدارية، وتغيير منهج الإدارة بالتهديد، وإلغاء قرار مساعده للشئون الإدارية عادل حسين الذى توعد فيه العاملين بالشركة بالمحاكمة الجنائية والفصل حال تفاعلهم بقصد أو غير قصد على صفحات التواصل الاجتماعى الخاصة ببتروتريد لمجرد نشرها مطالب العمال، وجانب من تجاوزات كبار المسئولين.