تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
بينما كنت أطالع بعضًا من الكتب المصفوفة فى مكتبتي، وقع نظرى على مؤلَّف مُهْدَى إلى من أستاذى الحبيب، العالم المفكِّر الأستاذ الدكتور محمد داود، وهو كتاب «لماذا أنا إرهابي؟ ولماذا أنت كافر؟»، ورغم قراءتى لهذا الكتاب أكثرَ من مرة؛ حيث صدرت طبعته الأولى عام 2017م، إلا أننى وجدتنى أمعن النظر فيه من جديد، وبعد أن فرغت من مطالعته؛ فإذا بى أمسك بقلمى مسطِّرًا هذا المقال.
الكتاب منذ الوهلة الأولى تجد نفسك منجذبًا لمطالعته؛ فعنوانه صادم ومحيِّر فى آنٍ واحد، حيث ازدواجية الضمائر، والتمازج بين المتكلِّم والمخاطَب ـ (أنا.. أنتَ) ـ تشى بمحاورة ثنائية، بعيدة كل البعد عن تبنِّى سياسة الرأى الواحد والصوت المنفرد.
ويَعرض المؤلف لأهم القضايا الدينية والفكرية المعاصرة.. واصفًا إياهًا.. سابرًا أغوارها.. مناقشًا وناقدًا ومحللًا.. يستثير الأذهان.. ويقف على دقائق المسائل.. سعيًا منه نحو الوصول إلى مخرج من الأزمة.. ويبقى التساؤل الأهم: مَن المسئول عن أمراض المجتمع التى نعيشها – الجهل والفقر والتخلف والإرهاب - هل هو الإسلام أم المسلمون؟
ومن هنا يتحدَّث المؤلِّف عن قضية التكفير.. تلك القضية الخطيرة التى مزقت الأمة.. مزقت وحدتها.. زلزلت مكانتها.. زعزعت أركانها.. يناقش أحوال المكفَّر، ولماذا تمَّ تكفيرُه؟ أكان جاهلًا؟ أم مكرهًا؟ أم مقلِّدًا؟ أم أنه حقًّا يستحقُّ التكفير؟ يتناول شبهات المكفِّرين.. مُبيِّنًا طرقَهم ووسائلَهم.. عارضًا لأدلَّتَهم الواهية.
لقد أصبح كثير من الناس يقعون فى فتنة التكفير بغير علم، دون الرجوع إلى الضوابط الشرعية المعتبرة، مع أنه من الحقائق الخالدة التى يؤكدها القرآن الكريم، أنه ليس فى الإسلام سلطة دينية لأحد على آخر، إلا سلطة الموعظة الحسنة {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125].
كما أن الإسلام قرر القاعدة التى تقول: «إذا صدر قولٌ من قائل يحتمل الكفر من مئة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حُمل على الإيمان، ولا يجوز حمله على الكفر»؛ لأنه لا يسارع إلى التكفير إلا الجَهَلة.
إن السبب الذى جعل كثيرًا من جماعات التكفير تنتهج هذا الطريق الضال - طريق تكفير الآخر - هو فهمهم الخاطئ لنصوص الشرع، والاكتفاء بمفهومها السطحي، وعدم الرجوع لأهل العلم فى إدراك حقائقها.
كما يناقش المؤلف قضية الإرهاب باعتبارها آفة العصر، متسائلًا: أين نشأ الإرهاب؟ وما أسباب ظهور الجماعات الإرهابية؟ هل الإسلام هو الذى دعا إليه، وأمر بالقتل واستباحة الدماء؟ وهل حقًّا الإسلام مسئول عن هذا الفكر الضال؟ أم أن ذلك فكر دخيل على خير أمة أخرجت للناس، وبعيد - كل البعد - عن سماحة الإسلام، الذى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.. لماذا يُتَّهم المسلمون بالإرهاب؟ مع أن الإرهاب وُجِد فى كل العصور وفى كل الديانات؟
ويحلل المؤلف تلك الأسباب التى أدت إلى ميلاد ذلك الفكر الهدّام، والتى منها: عدم الوعى بمقاصد الشريعة عامة ومقاصد الجهاد خاصة.. والفهم الخاطئ لنصوص الكتاب والسنة.. وإعمال المفاهيم الموروثة دون فحص أو تمحيص.. وإهمال فقه الواقع وفقه الأولويات.. والأهم من ذلك كله غياب التفكير العلمي.
ولعل الجزء الأهم من الكتاب هو تلك الرسائل التى وجَّهها المؤلف إلى الشباب؛ فقد عرض لقضية اغتراب الشباب.. مناقشًا أسبابها النفسية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.. ومن تلك الأسباب - بل ومن أهمها - ضعف المؤسسات التعليمية، وانتشار الفساد وتغلغله فى المجتمع.. إذ فَقدَ كثير من الشباب الثقة بِحُكَّامهم من جانب، وبعلمائهم من جانب آخر؟
فعلى أشواك الإرهاب والتكفير، وبين تلاطُم أمواج الفتن والمؤامرات، ضلَّت أقدام كثير من الشباب، الذين راحوا يتخبطون يمينًا ويسارًا دون وجود هادٍ يهديهم، فبلغوا الذروة فى الإفراط والتفريط، ومن هذا المنطلق أهدى المؤلف مؤلَّفه إلى الشباب فى عبارة تحمل كثيرًا من الأسى، وتكشف عن مرارة الواقع: «إلى شباب نسيناهم وأهملناهم حتى بحثوا عن الحياة فى الموت!».
وعلى حد تعبير المؤلِّف: إن المحن البشعة التى تُصيب الأمم، ينبغى أن يتخذ منها العقلاء دافعًا للتصحيح، وعلينا أن نعترف بأن المحنة التى حلَّت بالمنطقة العربية، ليست جائحة من السماء لا ندرى لها سببًا، وإنما هى بما كسبت أيدينا؛ جرَّاء دخول عقولنا حارة الجمود والوقوف عند حدود الماضى نتباهى به، ونتغنى بالمثاليات فى حين أن واقعنا أبعد ما يكون عن الالتزام بها، وكم تساءل العقلاء: هل نحن شعوب ترتد إلى الوراء، ولا تُحسن النظر إلى المستقبل؟!
وفى الختام يقرر المؤلِّف أن الأديان كلها، وعلى الرأس منها الدين الإسلامي، لا يمكن أن تدعو إلى التطرف والإرهاب؛ فهى شرائع سماوية جاءت بالمحبة والرحمة والسلام، كما أن النماذج المتطرفة من إتباع أى دين ليست حجَّة على الدين، بل الدين بنبعه الصافى فى الكتب المقدسة التى أنزلها الله تعالى، وما بلَّغ به الأنبياء والرسل، هو الحجة على الناس.