بين الحين والآخر نسمع ونرى مَـنْ يتباكى على زمن الفن الجميل واصفًا حالنا الفنى الآن بالتردى وبأن كل ما يقدم هو دون المستوى ولا يستحق المشاهدة وبعضهم يبالغ فيتهم القائمين على الفن فى مصر بأنهم السبب الرئيسى فى انهيار الأخلاق وحوادث الاغتصاب والقتل والسرقة والتحرش، وقد يتجاوز بعضهم كل هذه الاتهامات ليصل إلى اتهام عقوبته الإعدام وهو اتهام الخيانة العظمى والحصول على أموال من الخارج لتقديم هذه الأعمال بهدف تدمير المجتمع المصرى، وأذكر أنى رأيت محاميًا فى أحد البرامج التليفزيونية يقسم بالله أن منتجًا سينمائيًا شهيرًا هو عميل للمخابرات الإسرائيلية وأنه يعرض السيناريوهات على الموساد قبل عرضها على الرقابة المصرية، وهذا اليقين الذى تحدث به ذلك المحامى أذهلنى لأنه يبتعد تماما عن العقل والمنطق، ولو كان يملك أدلة أومستندات على ما ذكره فليذهب بها إلى الجهات القضائية فورًا، ولكننا نجيد إلقاء الاتهامات وتشويه بعضنا البعض دون دليل دامغ، وأحسب أن هؤلاء الذين يتهمون فننا الحالى بأنه سبب فساد المجتمع ويطالبون بوقف الأعمال الفنية ومحاكمة أصحابها - أحسبهم - كبعض المتأسلمين الذين يودون إطفاء نور الفن وذبح كل القائمين عليه، فكلاهما لا يعى طبيعة الفن وقيمته، وبغض النظر عن بعض الأعمال التى تقدم الآن والتي قد نتوقف أمامها بالنقد، فإن الفن لم يكن سببًا فى يوم من الأيام فى إفساد العقول أو انتشار الجريمة، فهو بالدرجة الأولى يرصد حال المجتمع ويصفه لنا، ونحن كمؤلفين نعتمد على الحوادث الحقيقية وننطلق منها بخيالنا لنستكمل دراما الواقع، ولاشك أن الجريمة قد عرفها الإنسان قبل الفن، فقابيل قتل هابيل ولم يكن قد شاهد أفلام السبكى أو محمد رمضان، وإخوة نبى الله يوسف شرعوا فى قتله دون أن يشاهدوا أفلامنا أو مسلسلاتنا، أما الذين يتباكون ليل نهار على زمن الفن الجميل فقد تناسوا أن السينما المصرية قدمت أفلامًا أقل فى مستواها مما يقدم الآن، وللأسف فإن نجومًا كبارًا من نجوم زمن الفن الجميل قد شاركوا فى هذه الأفلام التى نستطيع وصفها بالإباحية ولك أن تعود إلى أفلام سيدة الأقمار السبعة وأعظم طفل فى العالم وعروس من دمشق وحمام الملاطيلى وذئاب لا تأكل اللحم وعاريات بلا خطيئة والسلم الخفى وامرأة من نار والمنحرفون وغيرها من قائمة أفلام عديدة تحتوى على مشاهد جنسية صريحة ومواقف لا يمكن تقديمها الآن، وشخصيات درامية ستعترض عليها الرقابة إذا قدمناها اليوم، فهل ساهمت هذه الأفلام فى إفساد المجتمع وتغيير هويته وهل تسببت فى ضياع الأخلاق؟..الإجابة بالقطع لا، وليس صحيحًا أن الماضى كان رائعًا وجميلًا وأن الحب كان سائدًا بين الفنانين العظماء وأنهم رفعوا شعار السمو والرقى بفنهم وراحوا يقدمون أعمالا تدعو للمبادىء والأخلاق، فهذا الكلام عار تماما من الصحة، فكم من أعمال فنية قدمتها السينما المصرية بغرض اللعب على وتر الغرائز، بل أزعم أننا بكل ما وصلنا إليه الآن لا نستطيع أن نقدم أعمالًا بجرأة كما قدمه أصحاب زمن الفن الجميل، وأزعم أيضًا أنه لا توجد ممثلة فى مصر الآن لديها القدرة على إعادة تقديم بعض المشاهد التى قدمتها ناهد شريف وناهد يسرى وشمس البارودى وغيرهن، ويجب ألا نتناسى أن المخرج الراحل صلاح أبوسيف هو مخرج حمام الملاطيلى وأن عز الدين ذو الفقار هو من قدم لنا فيلمًا رائعًا شديد العذوبة لسيدة الشاشة العربية بعنوان «نهر الحب» والذى يدعو فيه بطريقة مباشرة للخيانة الزوجية تحت مسمى الحب، ولدينا قائمة طويلة من الأفلام التى كانت تحض على الرذيلة وتبرر الخيانة وإقامة علاقات غير شرعية وبعضها قدم شخصيات الشواذ وبالمناسبة فإن داود عبدالسيد نقلا مشهدا كاملا من فيلم «سيدة الأقمار» داخل فيلمه «رسائل بحر» وهو مشهد الشذوذ بين صاحبة أتيليه للملابس وبين فتاة ولكنه لم يستطع أن يقدمه بالشكل الفج الذى قدمته سينما زمن الفن الجميل، والتى قدمت أيضا شخصية الزوجة المجبرة على أعمال الدعارة بموافقة زوجها، فضلا عن أفلام كثيرة صورت خصيصا ليتم توزيعها كشرائط فيديو وكانت تحتوى على مشاهد جنسية صريحة قامت بها بعض فنانات الزمن الذى نتباكى عليه، والذى شهدت كواليسه صراعات وحروبا طاحنة بين النجوم وبعضهم البعض، فالغيرة والمنافسة بلغت ذروتها فى أربعينيات القرن الماضى بين أم كلثوم وأسمهان وبسبب هذه المنافسة الحامية انطلقت شائعة يتردد صداها حتى الآن تقول إن أم كلثوم هى قاتلة أسمهان، ولا يغيب عن أذهاننا أيضا ذلك الصراع القوى الذى كان بين عبدالحليم وفريد، ويمكننا الحكم بإنصاف عن حال هؤلاء بمجرد الاستماع إلى أى برنامج مسجل للراحلة مريم فخر الدين، لاسيما حين كانت تتحدث عن مسمى سيدة الشاشة العربية والذى أطلق على فاتن حمامة وكانت تقول بالحرف الواحد «طب هى سيدة الشاشة وإحنا إيه.. خدامين عندها» وإذا قدر الله لك أن تتطلع على أوراق القضية المعروفة بانحراف المخابرات أو قضية صلاح نصر فإنك ولاريب ستصاب بالفزع من كم الأسماء والأفعال التى وردت فى أوراقها والخاصة بفنانين وفنانات هذا العصر الذهبى، ولذا يا سادة يجب أن نثق بأنفسنا وألا نتباكى على الماضى فنحن أيضا نعيش زمنا فيه الجميل والقبيح تماما كما حدث فى الزمن الذى نطلق عليه خطأ «زمن الفن الجميل».
آراء حرة
أسطورة زمن الفن الجميل
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق