الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

الانسحاب الأمريكي من سوريا.. يمنع تكوين حزام إيراني.. خلق توازنا عسكريا مع روسيا ودعم الأكراد.. وتركيا تسعى لتحقيق المكاسب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

شكلت التصريحات الأمريكية المتعلقة بانسحاب قواتها من الأراضى السورية فى ١٩ ديسمبر ٢٠١٨، العديد من التداعيات على مستوى الداخل والخارج والأمريكي، ومن بين تلك التداعيات ما يتعلق بنمط العلاقات بين موسكو وأنقرة فى سوريا وخارجها أيضًا.


الانسحاب الأمريكي.. الفائز والخاسر

هناك العديد من التداعيات المترتبة على إعلان البيت الأبيض انسحاب قواته من سوريا بعد تنفيذ عملياتها المتعلقة بالقضاء على التنظيمات المتطرفة هناك، ولا يمكن الحديث عن أبعاد هذا القرار دون فصل أهمية ذلك القرار عن أهداف الولايات المتحدة وفق استراتيجيتها المعلنة وكذلك على مستوى الحلفاء لواشنطن وأعدائها.

وتتمثل الأهداف الأمريكية من الوجود فى سوريا على النحو التالي:

١ - منع تكوين حزام إيرانى يمتد من طهران إلى العراق وسوريا ولبنان (الهلال الخصيب)، ووصول الأسلحة إلى حزب الله اللبناني، وحماية أمن إسرائيل.

٢- العمل على خلق حالة من التوازن السياسى والعسكرى مع العديد من الدول المنخرطة فى الصراع فى سوريا، خاصة الجانب الروسي.

٣- تعزيز التحالفات الإقليمية والدولية لمواجهة الجماعات المتطرفة وكذلك تقديم الدعم المتواصل إلى الجماعات المحلية مثل القوات الكردية فى مواجهات الجماعات الإرهابية المسلحة.

وعلى خلفية هذا الانسحاب ظهرت العديد من التقديرات حول ذلك الموضوع وإن كانت تبدو ذات توجه سلبى فى تفسير قرار الولايات المتحدة، ولعل أبرز تلك التقديرات تتمثل على النحو التالي:

١- تراجع الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة فى المنطقة حال عدم تواجد واشنطن عسكريًا داخل الأراضى السورية، إلا أن البعض يرى أن واشنطن وإن كان قرارها بسحب قواتها العسكرية سيتم تنفيذه خلال فترة ٤ أشهر كما صرح بذلك البنتاجون، إلا أن ذلك لا يعنى غياب واشنطن عن الأزمة السورية سياسيًا، خاصة فى ظل التصريحات الأمريكية المتتالية حول محاصرة إيران ودعم أمن تل أبيب.

٢- أزمة الثقة التى تتعرض لها الولايات المتحدة على مستوى المؤسسات الداخلية وكذلك على مستوى الحلفاء؛ على خلفية اتخاذ دونالد ترامب قراره بالانسحاب منفردًا دون مشاورة وزارة الدفاع (البنتاجون)، أو حلفائه فى التحالف الدولي؛ حيث اتخذ ترامب هذا القرار تنفيذًا لوعوده الانتخابية المتعلقة بعودة القوات الأمريكية من سوريا.

وهذا ما ظهر جليًا بعد قرار وزير الدفاع الأمريكى جيمس ماتيس الاستقالة من منصبه، مبررًا ذلك بأن هناك خلافات بين التوجهات الوطنية لوزارة الدفاع والبيت الأبيض، ويضاف لذلك ما قاله وزير الخارجية الأمريكى السابق ريكس تيلريسون، بأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكرر نفس الخطأ الذى تم تنفيذه فى العراق عام ٢٠١١، بشأن تزايد النفوذ الإيرانى فى العراق.

٣- قد يكون الانسحاب الأمريكى من سوريا بمثابة انتصار سياسى وعسكرى للنظام السورى وحلفائه الروس والإيرانيين، وبالتالى فإن ذلك سيؤدى إلى تزايد النفوذ الروسى والإيرانى فى مواجهة الدور الأمريكي.

٤- على الرغم من التطمينات الأمريكية لتل أبيب فيما يتعلق باستمرار الدعم الأمريكى الموجهة لها، الذى أعلن عنه وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو فى لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بينيامين نتانياهو، حيث اتفق الطرفان على استمرار تنسيق الجهود المعلوماتية والاستخباراتية، إلا أن هذا القرار لن يغير من الدعم الذى تقدمه واشنطن لتل أبيب.

٥- إن غياب الولايات المتحدة عسكريًا عن التواجد فى سوريا سيخلق حالة من التقارب بين العديد من الدول داخل سوريا خاصة العلاقات بين روسيا وتركيا، وقبل تحليل تداعيات الانسحاب الأمريكى على مستقبل العلاقات الروسية التركية، لا بد من التطرق إلى طبيعة العلاقات الثنائية بينهما بشكل عام وهل العلاقات بينهما علاقات توافقية تكتيكية أم استراتيجية؟، 

وفيما يلى أبرز ملامح التوافق والخلاف ومحطات التقارب والتباعد بين الدولتين:

محددات التوافق

١- تسوية الأزمة السورية سياسيًا وعسكريًا والتحول تجاه عودة اللاجئين والمشاركة فى جهود إعادة الإعمار، والحفاظ على وحدة الأراضى السورية.

٢- امتدادًا للمحدد الأول، التعاون التركى والروسى مع إيران فى تسوية الأزمة السورية، من خلال المؤتمرات المنعقدة بين الدول الثلاث فى أستانا.

٣- الحاجة المتبادلة بين الجانبين فيما يتعلق بعمليات الإسناد العسكرى سواء من جانب روسيا أو تركيا؛ حيث تحتاج تركيا إلى روسيا فى موازنة القوى بينها وبين الجانب الإيراني، وتحتاج روسيا تركيا لمواجهة الأكراد وبعض الجماعات المسلحة التى لا تدعمها تركيا.

٤- التقارب التركى مع إسرائيل فيما يتعلق بعودة التطبيع الاقتصادى معها، يضاف لذلك التقارب الروسى الإسرائيلى المتعلق بإبعاد الميليشيات الإيرانية الموجودة بالقرب من الحدود مع إسرائيل؛ حيث يمكن أن تستخدم موسكو تل أبيب كورقة للضغط على الغرب أو مساعدتها فى العديد من القضايا الخلافية مع الاتحاد الأوروبي.

٥- هناك العديد من الملفات الحيوية التى تحقق التقارب الروسى التركى منها (حجم التبادل العسكرى خاصة صفقة الصواريخ الروسية اس ٤٠٠، المفاعل النووى التركى الذى تنشئه موسكو، اتفاقية السيل التركى لنقل الغاز الروسى إلى أوروبا عن طريق تركيا والتى أبرمت فى عام ٢٠١٢ وسيتم الانتهاء من إنشاء هذا الخط نهاية عام ٢٠١٩.

٦- التوافق الروسى التركى حول صياغة الدستور الجديد لسوريا؛ حيث وافق كلا الجانبين على مسودة الأشخاص المقترحة من جانب النظام السورى وكذلك المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني؛ عوضًا عن المقترحات من جانب الدول الضامنة لتلك المحادثات وهم تركيا وإيران وروسيا.

وعلى الرغم من تلك العوامل الكثيرة التى تشكل جانبا أكبر من العلاقات الثنائية بينهم إلا أن هناك العديد من المحطات التى شكلت حجر عثرة أمام تلك العلاقات.

وفيما يلى أبرز تلك المحددات:

محددات التباعد

- الموقف التركى الرافض للتحركات الروسية فى شبه جزيرة القرم، وكذلك الانتخابات الروسية التى أجريت هنالك، والتقارب التركى الأوروبي.

- إمكانية الخلاف بين الجانبين فيما يتعلق بمستقبل النظام السورى بقيادة بشار الأسد، على الرغم من التصريحات التركية الأخيرة المتعلقة بإمكانية التعاون مع النظام السورى فى المرحلة الانتقالية.

- التدخلات التركية العسكرية على الأراضى السورية قد تدفع الأكراد إلى التفاهم مع النظام السورى وحليفته روسيا حول التواجد العسكرى فى تلك المناطق، ما سيؤدى إلى تفاقم التوترات الروسية التركية.

- هناك بعض التقديرات التى تذهب إلى أن هناك صفقة سياسية بين واشنطن وأنقرة، خاصة بعد الانفراجة الأخيرة فى العلاقات الثنائية بينهما بعد أن شهدت العديد من التوترات عقب احتجاز أنقرة للقس الأمريكى أندرو برونسون فى أكتوبر ٢٠١٨، واستثناء تركيا من العقوبات المفروضة على إيران فى نوفمبر من نفس العام، ومؤخرًا وافقت الولايات المتحدة على صفقة الصواريخ الدفاعية الأمريكية باتريوت والتى تقدر قيمتها بـ ٣.٥ مليار دولار.

- على الرغم من أن القرار الأمريكى جاء مفاجئًا ولم تكن هناك تفاهمات سواء مع الحلفاء لواشنطن أو على الجانب الآخر روسيا، فمن الممكن أن تشهد تلك الفترة إعادة فتح قنوات جديدة للتفاهم بين واشنطن وموسكو حول ما بعد الانسحاب فى ظل إعلان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بأن انسحاب الولايات المتحدة سيشكل خطوة صحيحة على طريق التسوية السياسية للأزمة، كما أن عادة ما تنظر روسيا والنظام السورى إلى الوجود الأمريكى فى سوريا على أنه غير قانونى وغير شرعي، ومن ثم فإن تركيا ستكون فى معضلة الاختيار بين أهدافها وما يمكن من وراء ذلك تحقيق التقارب الروسى الأمريكى على حساب العلاقات الروسية التركية.

وبعد استعراض تلك العوامل يمكن القول بأن العلاقات الروسية التركية لن تشهد خطا بيانيا محددا صعودًا أو هبوطًا، بل إنها تشهد فترات شد وجذب بين الجانبين بحكم التطورات الإقليمية والدولية التى تشكل العامل الأكبر فى بلورة تلك العلاقات.