ينام المصرى ويصحو كمن ينتظر خبرًا ساخنًا قادمًا من محافظة المنيا يرتبط بهجوم فى قرية ما على مسيحيين كل جريمتهم أنهم يريدون الصلاة، لا تتعجب عزيزى القارئ، لأن الأمر لم يعد يدعو إلى العجب، فتكرار الجريمة أفقدها دهشتها، الحكاية وما فيها هى أن البعض منا صار وصيًا على البعض الآخر، يحدد له أين يصلى ولمن يصلى وكيف يصلي، الحكاية وما فيها أن البعض منا أخذته العزة بالإثم واعتقد أنه مفوض من الله جل جلاله ليفرض هذا البعض سلطته على البعض الآخر بقوة الحنجرة والهتاف والتجمهر والحرق والتعرية والضرب بالشوم والسكاكين إذا احتاج الأمر.
منطقة تسمى منشية زعفرانة تابعة لمركز أبو قرقاص بالمنيا تضم أكثر من ألف مسيحي، فى مكان مغلق تملكه مطرانية المنيا وفى حضور قساوسة يعبدون الله، جاء يوم عيدهم الذى احتفلت به مصر مسلموها قبل مسيحييها ولكن فتوات المنيا اعتقدوا أنه دولة فوق الدولة، فهاجموا مكان الصلاة واقتحموه بالقوة مطالبين عباد الله أن يتوقفوا عن صلاتهم، كان هذا يوم 7 يناير، وبعد صلاة قداس العيد بساعات، ليتدخل الأمن ويستجدى المقتحمين ليخرجوا من المكان وبالفعل يخرج المعتدون ويبقى المكان خاويا، إلا من اثنين من آباء كهنة نفر قليل من مسيحى القرية، تنهى أزمة 7 يناير ويستمر الصمت المتواطئ خمسة أيام كاملة حتى يأتى يوم الجمعة الحزين 11 يناير نرى أكثر من ألف شخص نستطيع وصفهم بكل راحة ضمير بأنهم متشددون يتقدمون بتنظيم ودقة هجوم وتظاهر وسباب وتهديد وتحريض ضد الكنيسة كل ذلك فى وجود قوات الأمن، يقول من رصد الواقعة أن الأمن وقف فى حيرة من أمره ولم يجد أمامه إلا أن يطالب المعتدين بالهدوء وأنه- أى الأمن- سيحقق لهم ما يريدون بطرد الآباء الكهنة وغلق المكان.
وبالفعل ينتصر التشدد ويخرج الآباء، والفضيحة ليست هنا بالتحديد ولكنها فى ذلك المشهد المأساوى عندما تعالت صيحات الانتصار من المهاجمين وانطلقت زغاريد النسوة المنتشية بتحرير مساحة من أناس كانوا يعبدون الله، أناس لم يقذفوا نخلة بحجر ولا أشعلوا نارا، بل كانوا يقولون فى ختام صلاتهم «إله واحد آمين» ولكن البعض منا اختار المزايدة والتطرف والتعصب ليرضى غرورًا فى نفسه، اختار العنف والقوة ليفرض ما يريد، الدولة أيضًا متهمة، فالصمت والمهادنة وعدم الحسم يفتح الباب واسعًا لمزيد من الاعتداءات على الغير، فإن لم تكن تلك الصورة هى البلطجة بعينها فما هى البلطجة فى مفهوم القوانين التى تحكمنا وارتضينا بها.
لن يتوقف ذلك المسلسل الردىء، ولن تهدأ تلك الأزمات طالما نركن القوانين على الأرفف ونلجأ إلى المجالس العرفية وتبويس اللحى وتأسيس لجان المصالحة واحدة تلو الأخرى، وإذا أردنا الربط بين ما حدث فى المنيا بقرية الزعفرانة وما حدث من محاولة تفجير كنيسة عزبة الهجانة بمدينة نصر واستشهاد الرائد البطل مصطفى عبيد سنعرف أن الصمت ثمنه غال جدًا، فما كان للشاب صاحب حقيبة المتفجرات أن يتجاسر على تلك الجريمة لولا البنية الحاضنة للتطرف، سواء كانت تلك البنية شعبية كما نراها متكررة فى جرائم الهجوم الجماعى على بعض أماكن العبادة أو كانت تلك البنية فى عدم استقامة التعامل القانونى مع البلطجية المعتدين فى كل حادثة.
يدفع مصطفى عبيد ثمن الحماقة ويغضب كل مصطفى عبيد مع كل اعتداء وتتواصل زغاريد النسوة المنتشية بانتصار باطل وتخشوشن حناجر الجهل فى الصراخ دفاعًا عن جهلهم، ويتواصل المسلسل، نكتب نحن الصحفيين مقالات صارت من تكرارها باردة ويقرأ الناس ثم يواصلون طريقهم بينما قضية الوحدة الوطنية والمواطنة وإعلاء دولة القانون فحدث ولا حرج.