ربما لا تحتاج الصورة التى رأيناها يوم الاحتفال بعيد الميلاد المجيد عندما قام الرئيس السيسى بافتتاح مسجد الفتاح العليم وكاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة معًا فى وقت واحد، أى كلام يقال سوى أن مصر أعلنت فى هذه اللحظة - وكذلك من قبلها - دولة المدنية الكاملة باعتبارها أرض المحبة والسلام وأرض العيش المشترك بين مختلف الطوائف وأنه لا حاجة إلى التأكيد على الوحدة الوطنية وانتهاء كل محاولات البعض لإثارة الفتنة. فقد كانت الصورة التى شاهدناها معبرة تماما دون الحاجة إلى مزيد من المقالات والأخبار والتقارير، وكما تعلمنا فى الإعلام بأن الصورة تساوى ألف كلمة، فإن وجود شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بالكنيسة ووجود قداسة البابا بالمسجد، وقيام كل منهما بإلقاء كلمة تعبيرًا عن التسامح والحب والوحدة بين أفراد الشعب الواحد أمام العالم كله، تخرس كل ألسنة المتطرفين والمرضى النفسيين وأهل الشر من جماعة الإخوان وأنصارهم.
وفى لفتة رائعة أمام الرئيس السيسى والرئيس الفلسطينى أبومازن والضيوف من الدول العربية الذين جاءوا ليشاهدوا هذا الحدث الكبير الذى يعكس الصورة الحقيقية لمصر وشعبها ووحدة قوة تماسكهم، بل يشير من ناحية أخرى إلى استعادة مصر دورها مرة أخرى مما نفخر به من قبل فى ثورة 1919، والذى اعتلى فيه القمص سرجيوس منبر الجامع الأزهر وألقى العديد من الخطب الحماسية بجوار الشيخ القاياتي، وهنا كان اتحاد الهلال مع الصليب أمام العدوان الغاشم والعدو الإنجليزى الذى كان يحتل البلاد فى هذه الفترة الصعبة من حياة مصر والتى جعلتهم يتحدون على قلب رجل واحد ويكشفون زيف وادعاءات حقوق الإنسان والحريات التى زعم الاحتلال الإنجليزى بأنه يؤمن بها.
ومن خلال شعبها الطيب الذى لا يتوانى عن تقديم المساعد لبعضهم البعض والمشاركة فى الاحتفالات بالأعياد المختلفة لإخواننا الأقباط، وقد بدأ الرئيس السيسى كلامه بالترحم على شهداء الوطن الذين سقطوا ضحايا الإرهاب الغاشم من الأقباط فى كنيسة البطرسية بالعباسية ومن المسلمين مسجد العريش، وأن مصر وقيادتها إذا وعدت ينبغى أن تنفذ وعودها التى قطعتها على نفسها من قبل! وكان الافتتاح حدثًا استثنائيًا لم يحدث على مدار التاريخ الإسلامي، وهو بناء الكنيسة والمسجد فى وقت واحد للتأكيد على مشاعر الإخوة بين المسلمين والمسيحيين وتجسيد روح الأخوة والمحبة.
وجاء تأكيد شيخ الأزهر بأن موضوع بناء الكنائس فى الإسلام محسوم، ودولة الإسلام ضامنة لكنائس المسيحيين ومعابد اليهود وهذا حكم شرعي، وإذا كان الشرع كلف المسلمين بحماية المساجد فتسير عليه حماية الكنائس، والحكم قائم على أية من القرآن الكريم، وقال إن: «الكاتدرائية ستقف شامخًا بجانب مسجد الفتاح العليم يتصديان بكل محاولات العبث بالاستقرار فى مصر، والتصدى للفتن الطائفية». نعم فمصر تستحق أن تكون أرض السلام والعيش الآمن والمشترك فهى أم الدنيا والتى اختارها الله دونًا عن سائر الأرض ليتجلى فيها موسى عليه السلام، ونفخر بها كوطن كريم فهى أرض السلام، وحقت هذه الإشادة القرآنية «ادخلوها بسلام آمنين».
والتاريخ يؤكد على عمق العلاقات بين المسلمين والأقباط قديمًا وحديثًا بدءًا من استقبال وحماية النجاشى الملك المسيحى للمسلمين الأوائل مهاجرة الحبشة، مرورا بإكرام هرقل الملك المسيحى لرسالة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسفيره وتتويجًا لذهاب أمنا السيدة العظيمة مارية القبطية لتكون سيدة من سيدات بيت النبوة.
كما أن الدماء الزكية التى سالت على أرض الفيروز سيناء الحبيبة حماية للوطن، اختلطت فيها دماؤنا جميعًا مسلمين ومسيحيين. بالطبع فهى رسالة من السيسى إلى كل أطياف الوطن بأننا واحد والوطن واحد وأن الوطن لا يفرق بين أبنائه، وواجب الدولة أن تبنى الكنائس والمعابد وتعطى لك مواطن حريته فى العبادة وحتى للملحد الذى لا يعبد!
بالفعل كان «مشهدًا مهيبًا» وفريدًا من نوعه عندما يخطب شيخ الأزهر من داخل الكنيسة الأكبر فى الشرق الأوسط ويتحدث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية من داخل المسجد وهو المسجد الأكبر فى الشرق الأوسط الذى قام على 100 فدان تقريبًا، عكس هذا المشهد وحدة المصريين داخل الوطن الواحد، الذى نسعى جميعًا إلى المحافظة عليه، وكما كانت مقولة البابا حاضرة فى بعض كلمة الرئيس أثناء الاحتفال عندما قال: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن». فقد تعانق أذان مسجد «الفتاح العليم» مع أجراس كاتدرائية «ميلاد المسيح» فى سماء العاصمة الإدارية، على أنغام ترانيم عيد الميلاد المجيد، والجميع فى سعادة واحتفال مع إخواننا فى الوطن وهو تجسيد لعنوان المقال: «الدين لله والوطن للجميع»