السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أرقى عصور التسامح الديني في مصر «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يقولُ اللهُ فى كتابه العزيز «وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ» (الأنفال: الآية 30)، إن هذه الآية تجسد الحكمة البالغة التى ساقها لنا الله فى مُحْكَمِ آياته، والتى نفهم منها أن البعض قد يريد بأفعاله شيئًا ولكن الله يوجه صنيعه وجهةً أخرى قد لا تتفق بالمرة مع ما أراده واستهدفه من هذا الصنيع. لقد حاولت جماعة «الإخوان» الإرهابية بذر بذور الفتنة بين الأقباط وأشقائهم المسلمين عقب فض اعتصاميْ «رابعة» و«النهضة» فى أغسطس من العام 2013، وذلك من خلال عمليات الحرق الممنهجة للكنائس ودور العبادة المسيحية حتى تسود الفتنة وتتسع دائرتُها لكى تبتلع المسلمين والأقباط، بل وتبتلع الوطن بأكمله، فإذا بالأمور تمضى على غير ما يحبون ويرغبون، حيث خرج البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكِرازة المرقسية ليقولَ قَوْلَتَه التى لن ينساها التاريخ المصرى والإنساني: «وطنٌ بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، وليخرج الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع وقتئذٍ ليتعهد بإعمار بيوت الله من الكنائس ودور العبادة المسيحية وإعادتها إلى سيرتها الأولى، ليبدأ هذان الرجلان ومعهما الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر عصرًا من أرقى عصور التسامح الدينى ليس فى مصر وحدها بل فى العالم أجمع.
سيكتبُ التاريخُ للرئيس عبد الفتاح السيسى أنه أولُ رئيس يزور الكاتدرائية الأرثوذكسية بشكلٍ منتظم فى أعياد الميلاد المجيدة ليهنئ الإخوة الأقباط بالعيد، بعد أن كان المتبعُ فى مثل هذه المناسبات الدينية إرسالَ مندوبٍ عن السيد رئيس الجمهورية ليقدم التهنئة للإخوة الأقباط، وهو ما تجاوزه الرئيس السيسى منذ توليه رئاسة الجمهورية ليشارك الإخوة الأقباط عيدهم كما يشارك المسلمين أعيادهم. إن هذا يمثلُ قمةَ التسامح الدينى لأن الرئيسَ أدركَ منذ اللحظةِ الأولى لتوليه الرئاسة أمريْن مهميْن أولهما أنه رئيسٌ لكل المصريين سواء كانوا أقباطًا أو مسلمين، وثانيهما أن الرئيس السيسى يقدر كل ما قدمه الإخوة الأقباط من تضحيات؛ فقد حُرقت كنائسهم ودور عبادتهم بعد فض اعتصاميْ «رابعة» و»النهضة»، وفُجرت كنائسهم فى طنطا والعباسية والإسكندرية انتقامًا منهم على موقفهم الوطنى المُسَانِد للدولة المصرية فى حربها على الإرهاب والإرهابيين، وذُبح أولادهم بدمٍ بارد على يد تنظيم «داعش» الإرهابى على شاطئ البحر المتوسط فى ليبيا لتختلط دماؤهم بموج البحر ودوامات الإرهاب التى دشنتها جماعات الظلام والتطرف والفتنة.
ولم يقتصر التسامح الدينى مع الأقباط المصريين الذين ينتمى معظمهم للمذهب الأرثوذكسي، بل تعداه إلى المذهب الكاثوليكى الذى يدين به فئة قليلة من المصريين، فكانت زيارة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان لمصر فى مايو 2017، وفى هذه الزيارة التاريخية تم فتح صفحة جديدة فى العلاقات بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية بلقاء وتوافقات غير مسبوقة بين البابا فرنسيس والبابا تواضروس.. كم كان رائعًا عناق فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وكم كان معبرًا أن يُعقد مؤتمر السلام فى أرض السلام بحضور بابا السلام؛ لقد قال البابا، خلال كلمته بمؤتمر الأزهر العالمى للسلام: «لا يخدم رفع الصوت أو زيادة التسليح لحماية أنفسنا، واليوم لا بد أن نكون صانعى سلام، ونحن اليوم فى حاجة ماسة إلى صنع السلام لا إلى إثارة النزاعات، ولا بد أن نكون دعاة تصالح لا ناشرى دمار». كانت هناك رسالة خاصة بعث بها البابا فرنسيس إلى رجال الدين فى العالم أجمع، حيث قال: «إننا كرجال دين مسئولون عن كشف العنف الذى يظهر ويقدم نفسه تحت غطاء دينى ولا بد من أن نكشف حقيقته التى تبنى على الأنانية وليس حب الآخر، ولا بد أن نكشف كل صورة من صور الكراهية التى تعارض حقيقة كل الأديان.. إنه إله السلام..إنه الله السلام.. ولذلك لا يمكن تبرير أى شكل من أشكال العنف باسم الله».
وتأكيدًا للمبادئ الراسخة لعصر التسامح الدينى التى أرساها الرئيس السيسي، فقد شهدنا تلاحمًا غير مسبوق بين الإسلام والمسيحية على أرض مصر، حيث كان أول حجر أساس تم وضعه فى العاصمة الإدارية الجديدة هو حجر أساس كاتدرائية «ميلاد المسيح» ومسجد «الفتاح العليم»، واللذيْن افتتحهما الرئيس عبد الفتاح السيسى مساء الأحد الماضي، بل كان أول مَن تبرع من ماله الخاص لبناء هذيْن الصرحيْن من صُروح الإسلام والمسيحية فى المنطقة العربية. إن تبرع الرئيس السيسى لبناء المسجد والكاتدرائية يعكس إيمانًا عميقًا بأن محاربة مصر للفكر المتطرف لا يكون سوى بمزيدٍ من إرساء ثقافة التسامح الدينى التى افتقدناها طوال العقود الماضية. وفى ظل هذا التسامح الديني، لا بد أن يكون للأقباط حقوقٌ فى إنشاء دور عبادتهم وممارسة طقوسهم بكل حرية.
لقد كان رائعًا رفع آذان العشاء فى المسجد ليعانق قرع أجراس الكاتدرائية ليسجل تدشينًا جديدًا لمجمع الأديان فى مصرنا الحديثة. لقد كان إحساسًا تقشعر له الأبدان وتسكن به القلوب الظمأى إلى السكينة والخشوع عندما ألقى البابا تواضروس كلمة فى افتتاح مسجد «الفتاح العليم»، وألقى شيخ الجامع الأزهر كلمة فى افتتاح الكاتدرائية، كم كان مُلْهِمًا أداء الرئيس السيسى لصلاة العشاء فى مسجد «الفتاح العليم»، وحضوره قُداس عيد الميلاد المجيد فى الكاتدرائية، فى صورةٍ ولا أروع من صور التسامح الدينى بأسمى وأرقى معانيه.. صورةٍ لا تتكرر إلا كل مائة سنة، فلم نرَ مثل هذه الصور إلا خلال تلاحم المسلمين والاقباط خلال ثورة 1919 التى تحل ذكراها المئوية هذا العام.
لقد مثلت مئذنةُ «الفتاح العليم» ومنارةُ كاتدرائية «ميلاد المسيح» ميلادًا لعصرٍ جديد من التسامح الدينى لم يكن ليَبْزُغَ فَجْرُه إلا فى وجود رئيسٍ يؤمنُ بهذا التسامح فى ظلِ وجودِ قياداتٍ دينية وشعبٍ مصرى عظيم مشهود له بالتسامح، منذ لجوء العائلة المقدسة إلى مصر هربًا من عَنَتِ الرومان الذين كانوا يبغونَ إهلاكَ المسيح عليه السلام، وحتى مشهد التسامح الدينى الرائع الذى شهدناه وشاهده العالم أجمع مساء الأحد الماضي.