أصدر الرئيس السيسى القرار قم 602 لسنة 2018 بتشكيل لجنة مركزية تسمى اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية برئاسة مستشار رئيس الجمهورية لشئون الأمن ومكافحة الإرهاب وعضوية ممثلين عن كل من هيئة عمليات القوات المسلحة والمخابرات الحربية والمخابرات العامة والرقابة الإدارية والأمن الوطني.
لا شك أن القرار بتكوين هذه اللجنة يدل دلالة تامة ويؤكد على اهتمام الرئيس السيسى بقضية الوحدة الوطنية والتوحد المصري، الذى دائما ما يكون فى حالة تهديد مباشر نتيجة الأحداث الطائفية التى تحدث بين الحين والآخر بهدف تفتيت وتشتيت الجهود الوطنية الساعية إلى الحفاظ على توحد وتماسك وبناء وطن، هو ملك لكل المصريين.
لا شك أن قضية التوحد هذه، هى المنفذ الخطير الذى دائما ما تأتى منه الرياح العاتية التى تُستغل دائما وعلى مدار التاريخ خارجيًا وداخليًا، سواء كان هذا الاستغلال من جانب القوى الاستعمارية بكل أشكالها وبمختلف صنوفها، أو من جانب هؤلاء المتاجرين بالدين فى كل مكان وكل زمان، مستغلين الدين وقيمه استغلالًا ذاتيًا وتنظيميًا، معتمدين على العاطفة الدينية المتأججة دائما لدى المصريين باختلاف دياناتهم. كما أن هذا القرار يأتى امتدادًا أو استكمالًا للمواقف المتعددة والقرارات السابقة للسيسي، التى يؤكد فيها على قناعته التامة وعلى دأبه المتواصل لمحاولة ترسيخ وتكريس قيم ومبادئ وسلوكيات المواطنة التى لا تفرق بين مصرى وآخر على أى أساس، فكان موقفه من الداعين دومًا إلى عدم تهنئة المسيحيين فى أعيادهم موقفًا عمليًا بعيدًا عن الكلام النظري، وهو ذهابه كل عيد ميلاد إلى الكاتدرائية لتقديم التهنئة للمواطنين المصريين المسيحيين، إضافة إلى موقفه العملى اتجاه عديد من الأحداث الطائفية التى ألمت بالأقباط خارج مصر وداخلها، ناهيك عن مواقفه المعلنة من خلال تصريحاته فى كثير من المناسبات ودعوته لتجديد الفكر الدينى الذى يقبل الآخر، تلك التصريحات التى تمثلت فى التأكيد العملى على تجسيد حرية العقيدة لكل مصرى أيا كان إيمانه أو دينه، مؤكدًا على حل مشاكل بناء الكنائس والتأكيد على وجود كنيسة فى كل المدن الجديدة. لذا نثمن قرار هذه اللجنة.
هذه اللجنة من خلال تشكيلها تعتبر لجنة أمنية فى المقام الأول، وإن كان الجانب الأمنى مطلوب فى مواجهة تلك الأحداث، إلا أن القرار قد حدد للجنة منهجية للعمل تتمثل فى وضع خطة لمواجهة الأحداث قبل وقوعها وبعد حدوثها، بل ومتابعة ما يتم عقب وقوع هذه الأحداث، لذلك فالقرار قد أعطى للجنة الحق فى مشاركة ما تراه من وزارات ومؤسسات وأشخاص للوصول إلى الهدف المرجو من اللجنة التى لا تعتمد على الجانب الأمنى فحسب، بل لابد أن يدخل فى خطتها ومنهجها تلك الجوانب الفكرية والثقافية والاجتماعية والتعليمية، إضافةً للجانب الإعلامى المهم.
الأحداث الطائفية التى تحدث بين مصريين مسلمين ومصريين مسيحين، على الرغم من أرضيتها الجنائية فى الكثير منها، حيث إنها تحدث بين مسلمين ومسلمين ومسيحيين ومسيحيين، إلا أن ذلك المناخ الطائفى والفرز الطائفى الذى جعل التعامل على أرضية «مسلم، مسيحي» وليس «مصري، مصرى» جعل هذه المشاكل تأخذ الصبغة الطائفية التى تُزيد وتعمق ذلك المناخ الطائفى الذى يهدد سلامة ووحدة الوطن وبحق.
هذا المناخ وذلك السلوك وتلك الأحداث الطائفية ترجع إلى ذلك الفكر الدينى الخاطئ الذى يرفض قبول الآخر الدينى وغير الدينى ولا يقبله، وعلى ذلك من المتصور أن الأمر يحتاج من هذه اللجنة أن تحاصر الأماكن الملتهبة والمتوترة قبل تفجير الأحداث، الشيء الذى يجعلها تُطبق القانون على مثيرى الفتنة ومؤججِ الطائفية قبل وقوع الأحداث أيا كان مكانهم وأيا كانت صفتهم «شيخ أو قسيس»، فالأمن الوطنى فوق الأشخاص مهما كانت هذه الشخصيات، فلنا فى ياسر برهامى خير دليل فهو كان ولا يزال ويصر على نفث سمومه الطائفية ضد المسيحيين بكل الطرق وبكل الأساليب التى تتناقض مع المقاصد العليا للإسلام، بل مع كل القيم الإنسانية، هذا فى الوقت الذى ما زال هناك ما يسمى بحزب النور الذى يعتبر برهامى الأب والمرشد الروحى له، فلا شك أن برهامى وأمثاله، بفتواهم هذه، يجذرون ذلك المناخ الطائفى الموبوء والمهدد لسلامة مصر والمصريين جميعًا، لذا نرى من يتأثر بهذه الفتوى وبتلك الأفكار فيندفع ضد هؤلاء الأقباط الكفرة لهدم كنائسهم ومنعهم من مزاولة شعائرهم الدينية، تصورًا منهم أن هذا دفاعًا عن الإسلام، فى الوقت الذى يسيئون للإسلام الذى يقبل الآخر غير المعتدى عليه.
إضافة إلى ذلك ولمحاصرة الأحداث قبل وقوعها، لابد من وضع وتنفيذ خطط فى مجال الثقافة والتعليم والإعلام بهدف قبول الآخر الدينى وغير الديني، وهذا سيكون لكل المصريين بعيدًا عن المتطرفين والإرهابيين، لكى نقطع خط الرجعة بين هؤلاء وبين عموم المصريين المتمسكين بدينهم، ولكن أيضًا لعلاج المتأثرين بأمثال هؤلاء، وعمليًا، لابد من النزول إلى القرى والنجوع للتواصل المباشر مع المواطنين على أرض الواقع، وذلك من خلال شخصيات لها قبول مجتمعى ودينى بعيدًا عن الشكل التقليدى لقس وشيخ، فهذا الشكل انتهى دوره الشكلى والشعاراتي، فدور المسجد والكنيسة يكون داخلهم، أما خارجهم فهذا دور المثقفين والسياسيين وكل المؤمنين بحب هذا الوطن والمنتمين إليه والخائفين عليه.
لذا لابد من تفعيل قصور الثقافة ومراكز الشباب بالندوات والمحاضرات والحوارات المباشرة والصريحة مع الشباب وغير الشباب، وهذا يتطلب دورًا وإرادة سياسية من جميع المسئولين بلا استثناء، فالقضية أحيانا تكون من ناحية ذلك المسئول الطائفى والمتأثر بفكر هؤلاء المتاجرين بالأديان.
أما بعد وقوع الحادثة فلا يوجد إلا القانون وبكل حسم وحزم على الجميع، مسقطين فكر وممارسة ما يسمى بالجلسات العرفية والابتعاد عن الحل عن طريق المسكنات والمجاملات والقبلات غير الصادقة.
فلتكن هذه اللجنة هى الخطوة الأولى فى الطريق الصحيح لوأد الفتنة والقضاء على الأحداث الطائفية، وهذا لن يكون بغير قناعة وطنية وإرادة سياسية وفهم صحيح لفكر دينى صحيح وقناعة بقبول الآخر وإيمان بحق المواطنة للجميع وعدم تمييز بين مصرى ومصري، والأهم بحب هذا الوطن والانتماء إليه كوطن لكل المصريين.