الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أعطني قاضيًا عادلًا.. وقانونًا ظالمًا تتحقق العدالة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يا أصحاب المقام الرفيع هذا ليس فقط عيدكم.. لكنه عيدنا.
يا أيها الأجلاء صيحة العدالة هى نشيدنا.
يا أصحاب المنصة الرفيعة أليست أعلام العدالة طريقكم.. لكنها أعلامنا فإن الدنيا لا يكون لها سموها إلا إذا كانت كلمة القاضى تاجا فوق رؤوسنا.
وإذا كان العالم يفاخر بكم فهو حق كل مواطن.
يا أصحاب كلمة الحق.. حينما تنطق أحكامكم تنطلق فى الآفاق صيحتنا.. يحيا العدل.
هذا ليس فقط عيدكم.. لكنه فى المقام الأول عيدنا.
أن أول قضية تصدى لها الخليفة عمر بن الخطاب كان قراره بالتنحى عن نظرها وغيرها من القضايا، لأن وجدانه لم يتحمل عبء المسئولية بعد أن نادى على الأول باسمه والثانى بكنيته فما كان المدعى أن اندفع ورده كقاضٍ ويسأل عمر بن الخطاب لماذا هذه التفرقة فى هذه المناداة واستشعر بالحرج وتنحى عن النظر حتى لا يقع بدائرة فطنة الانحياز.
إن المدرسة الحديثة المصرية فى الحقوق تعتبر مدرسة الوطنية المصرية فهى صانعة النجوم على ساحة القانون والتشريع وتاريخها المجيد جعلها مؤهلة لتكون عنوانًا صادقًا.
وروى لى أستاذ الأساتذة عبدالحميد متولى رحمه الله أنه بعد حصوله على الليسانس التحق بالتدريب على يد المحامى عبدالخالق عطية وتحمل العبء الأكبر من أعباء ألقاها عليه أستاذه، ونظرًا لما كان عليه من كفاءة تصل لحد النبوغ فقد لازمه التفوق ليصاحبه فى رحلته لكى يصل لأسمى المناصب القضائية وتدرج لمنصب مدير إدارة قضايا الحكومة ثم النائب العام ثم رئيس محكمة الاستئناف «قاضى القضاة».
وروى لى تفاصيل القضية السياسية والمتهم فيها المرحوم محمد حسين هيكل رئيس تحرير صحيفة السياسة لسان حزب الأحرار الدستوريين عام 1924م ووقع خلاف مع الوفد وقدم هيكل إلى محكمة الجنايا بتهمة من إحدى تهم جرائم النشر ووقف كبار المحامين للدفاع عنه وصاح توفيق باشا دوس يقول ردًا على كلمة ممثل النيابة فى إطار من التوقير والإجلال بصوت ملىء بالثقة «نعم يا سيدي.. تركت مأتم أخى وحضرت لهنا فى حدادى لأشهد مأتم الحرية ومأتم الدستور، لا يا سيدى لن يكون هناك مأتم وفى السماء قاض عادل، وفى الأرض قضاة عادلون فدوت القاعة بالتصفيق.
ويقول الفقية عبدالحميد متولى، مؤسس علم الدستور ردًا على سؤالى فى مكانة القضاء وهى شهادة يعرف قيمتها من اشتغل بالقانون فرد بكل حسم كنت أرى كبار المحامين يقفون أمام القضاة من الشباب ويوجهون لهم الكلام فى احترام، وإذا عرض على أى من الشباب حلم العمل داخل النيابة فكان يقبل كل التضحيات ومنهم عبدالرحيم غنيم وعبدالعزيز محمد الذى أصبح رئيس محكمة النقض ومصطفى مرعي.
ويقول إن القضاة لهم هيبتهم فى النفوس وفى إحدى القضايا شاهد دخل إلى القاعة وبدت عليه سمات الرهبة مما يحيط بكرسى القاضى وطلب إليه أن يقسم اليمين وبدأ القاضى يذكر الصيغة ويطلب أن يرددها وسأله، تعرف إيه بالقضية فكان رد الشاهد مرددًا تعرف إيه بالقضية!.
والذين صنعوا مجدًا فى ساحة القضاء والنيابة سطروا تاريخًا يعتبر ثروة فكرية ومنهجية، لأن العدالة هى رسالتهم فقد تشربوا روح القانون والمقدرة على ضمان توازن دقيق بين وجدان القاضى وقناعته ولا تختلط المفاهيم وأمامه القانون أقصر الطرق إلى الحقيقة لأن كلمته عنوانها، ورجل القضاء لا يخضع لأحلام التطبيق أو التأرجح بين الخيال ورؤى الواقع فلا يحكم القاضى بعلمه لكنه يحكم بما تنطق به الأوراق وتدعمه قدرات تنويرية وإجادة للغة والسمو بمفرداتها ودقة التأويل، بل الأكثر أن القاضى هو الخبير الأعلى لأن من ثوابت نزاهة القاضى على المنصة أن هناك فارقا بين (التحقيق والتلفيق).
وتاريخ مصر القضائى ساطع ومن ثوابت أدبياته «أعطنى قاضيًا عادلًا وقانونًا ظالمًا يتحقق العدل» ولا تعطى قانونًا عادلًا وقاضيًا ظالمًا، والمدرسة المصرية استطاعت أن تحتل مكانتها التى يستحقها بفضل عطاء أصحاب المقام الأجلاء الذين يفخر بهم السجل القضائى والفقهى، حيث تؤمن بأن فكرة القانون إنه أحكام نابعة عن ضمير المجتمع، صحيح أن العدالة الناجزة تعانى أحيانًا وليس هذا قاصرًا على الفصل بالقضايا التى تتراكم لكنها تمتد أيضًا لعيوب الديموقراطية فى بطء ساحة التشريع فلابد أن يحصل أى قانون على الوقت اللازم والدراسة حتى لا يفاجأ الرأى العام بين ليلة وضحاها بقانون يصدر يلتزم به القاضى ويتم له الإعداد من الصياغة والبناء الفقهي.
ومن أدبيات السياسة مقولة، إن مدرسة الحقوق يتخرج فيها الوزراء والزعماء بمقدمتهم أول نقيب للصحفيين فكرى باشا أباظة وفى ندوة أقيمت بالستينيات تحدث فيها أستاذنا أنيس منصور حين قال لطلاب القانون أهلًا بأبناء القانون العازفون على القانون لا العازفون عن القانون والمحافظون عليه فهى المهنة الوحيدة بمصر التى تتولى السلطة القضائية تصحيح نفسها بنفسها.
وكلية الحقوق من أصعب الكليات منهجًا لجسامة مسئولياتها فى الفصل بين الناس ومن تقاليد الأستاذية أن عبدالعزيز باشا فهمى مثلًا أعطى ابنه درجة الصفر فى الاختبار الشفهى وتنحى الفقية الدكتور محمد حافظ غانم نائب رئيس الوزراء الشهير والأستاذ بجامعة عين شمس وكلية الشرطة عن التدخل فى أى خطوة فى الامتحان لوجود ابن شقيقته فى قائمة الطلاب، وعرفت قاضيا جليلا المرحوم إبراهيم شبانة، عرف عنه أنه كان يكتب ويتحدث بالقلم لدرجة أن سائقه إذا خالف أبسط القواعد المعروفة يقوم بإرسال مذكرة على شكل بلاغ ضد نفسه لأن السائق تابع له.
إن مجلدات الدنيا تضيق بالكواكب المضيئة فى سماء القانون من فقهاء وقضاة ومحامين وجهاز إدارى يقظ وأكد لى الفقيه الجليل حسن كيره أحد رموز البناء الفقهى رواية قيلت عنه بأنه لم يبك فى حياته إلا مرتين الأولى عند ولادته والثانية عندما أخطر بأن يمنح طالبًا حقه فى الحصول على مرتبة امتياز لاستحالة تخفيض درجاته.
والحال فى مصر ينطبق على ما قبل من بريطانيا حينما قال تشرشل، إن إنجلترا هزمت فى الحرب فسأل معاونيه وما حال القضاء هل بخير؟ فردوا بالإيجاب نعم، فرد إذن بريطانيا مازالت بخير ونحن فى حربنا ضد الإرهاب نقول طالما قضاء مصر بخير فإن مصر بخير.