رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رئيس حي مصر "القديمة"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المعركة ضد الفساد لا تقل فى خطورتها عن المعركة ضد الإرهاب، وجهان لعملة واحدة، كل منهما يحاول جاهدا شد البلاد إلى الوراء، لذلك ليس غريبًا على الشعب المصرى أن يحتفل مع كل ضربة لبؤرة إرهابية، وليس غريبًا على الشعب المصرى أن يسبق القضاء ليصدر حكمه ضد مسئول يتم ضبطه متلبسًا برشوة.
قبل أيام قالت الصحف، إن رئيس حى مصر القديمة تم ضبطه برشوة مليونية للتغاضى عن مخالفات، وقبل ذلك عرفنا أن وزيرًا كان مسؤلًا عن الزراعة بمصر انتهى أمره مقبوضًا عليه، وكذلك الحال مع محافظ تولى مسئولية محافظة المنوفية، فلم يعد الموقع التنفيذى يمثل أى حصانة لمن يشغله، فقط الكفاءة والأمانة هما طريق النجاة لمن أراد أن يتصدى للعمل.
عشرات السنين وبلادنا يتم تجريفها، يتم نهبها فى وضح النهار بجرة قلم وتأشيرة وضمير غائب ورقابة منعدمة، كانت مصر تتحلل وتذوب أمام أعين الجميع، وكان العائد من جرائم الفساد ليس ظلام المستقبل فحسب ولكن فى موجات الإحباط العالية التى تمكنت من رقاب أكثر من جيل شاب فى مصرنا المحروسة، الأجيال التى دفعت منذ منتصف السبعينيات مرورًا بالثمانينيات حتى التسعينيات القاتلة، تلك الأجيال تقف الآن على ناصية الستين من أعمارها تتأمل تلك الأعمار التى راحت هدرًا، تلك الأجيال لا تشكو ولكن قلوبها تبكى بمرارة، وبالرغم من ذلك يحاول قطاع كبير منهم التماسك وإعادة زراعة الأمل فى مصر المحروسة.
رئيس حى مصر القديمة لم يكن بحاجة إلى ذلك البنكنوت العفن الذى تدنى من أجله، ليضرب المثل فى خيانة الأمانة كجندى فى المعركة يخذل زملاءه فى القتال، سوف تحقق النيابة وسوف يجتهد القضاء فى عقوبة مناسبة لكل فاسد، ولكن من يجتهد الآن لترميم الشروخ العظيمة التى خلفها الفساد على مدار عشرات السنين فى نفوس أجيال ضرب الشيب رأسها.
قالها واحد منهم فى زمن مضى «الفساد فى المحليات للركب»، قالها ولم يترجم قوله إلى فعل للمواجهة، لأنه لم يكن فى البراءة التامة، لقد حاول الفساد التهام مصير هذا الوطن ومازال يحاول ولا تنقذنا إلا المصادفة، فهناك عشرات الدراسات التى أعدها اقتصاديون وعلماء اجتماع وطنيون تحذر من خطورة تفشى ذلك السرطان على مستقبل بلادنا، لم يلتفت مسئول لصرخات الباحثين، بل كان فى بعض الأحيان يعاقبهم، كانت سنوات سوداء تلك التى صعد فيها السماسرة لصوص الأراضى والآثار والمخدرات ومخالفات المبانى وتدمير الرقعة الزراعية، سنوات ألعن من نكسات الحروب النظامية، لذلك لا نستغرب هتافات الشماتة العالية مع كل سقوط لمرتش جديد.
مصر لا تنقصها القوانين الرادعة لحسم هذا الملف، ولا تنقصها الإرادة لأنها مصر جديدة تخرج من عنق الزجاجة بجراحة دقيقة صعبة، لذلك من المهم أن يتوازى مع تلك الإرادة مشروع طموح لميكنة كل ما يمكن أن ينقذ المال العام واللجوء للتكنولوجيا المتقدمة فى إدارة الأعمال، وقتها لن يخضع المواطن للابتزاز ومن ثم الرشوة.
صحيح أن العمل التكنولوجى له مخاطر يتوقعها الكثيرون كحروب القرصنة التى صارت تتبناها أجهزة ودول كبديل عن الحروب التقليدية، ولكن لا يوجد طريق ثالث لتحرير الناس من قبضة الموظف التقليدى ولا ضمان للمال العام إلا من خلال لوحة كنترول محكمة الغلق لا يمسها المزاج الفاسد ولا يعبث بها من ماتت ضمائرهم، المعركة أكبر وأقوى ولا يحسمها سقوط وزير أو محافظ أو رئيس حي، سننتصر فيها عندما يسقط كامل المنظومة التقليدية التى عشنا عليها سنوات عجاف، ستسقط إذا تواصلنا مع التقدم ونجحنا فى نقل خبرات الدول التى سبقتنا فى ذلك المجال، لأنه بات واضحًا الآن أن بناء بلادنا يحتاج معركة كبرى متعددة الجبهات التى من ضمنها جبهة الفساد.