السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإخوان من غياب الرؤية إلى تفكك التنظيم «6»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حركة الإخوان المسلمين رغم عمرها الطويل والذي تجاوز التسعين عامًا وانتشار فكرتها في أكثر من 80 دولة حول العالم، إلا أنها تفتقد إلى الرؤية الصحيحة، فضبابية الفكرة وراء سقوطها السريع مقارنة بغيرها من التنظيمات التي عاشت عقودًا طويلة وما زالت تحيا أفكارها مثل الخوارج على سبيل المثال؛ فسقوطها السياسي ترجمة لرداءة أفكارها حتى لو انخدع فيها الناس وقتًا طويلًا، وبالتالي يأتي هذا السقوط في سياقه المتوقع حتى ولو بعد حين.
لا نؤمن بأفكار العنف ونرى الدين منارة للتسامح والمحبة، فإذا افتقدنا هذه الصفات مع غيرها مما يجسد الحب والألفة افتقدنا الدين كله، فما الدين إلا دعوة للحب والتعايش على الأرض وما بين العبيد وخالقهم، فإذا وجدت دعوة ما تدعو بخلاف ذلك فاعرف أنها «الحالقة» أي أنها تحلق الدين، حتى ولو رفع أصحابها القرآن أو أقاموا الليل قيامًا وقعودًا فلن يغير ذلك من عبادتهم شيئا، والخوارج ليسوا ببعيد.
الديانات السماوية ولا حتى غير السماوية لا تخلو من مفهوم المحبة، فلا دعوة تدعو للكراهية إلا إذا كانت مستحدثة وفشل أتباعها في فهم عميق الدين وصحيح الإسلام، فالله يقول لرسول صلى الله عليه وسلم «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، فالرحمة صفة من صفات الله وآية من آياته التي تسكن عباده من البشر.
دعاة العنف والكراهية برروا ما يدعون إليه بأنه جهاد في سبيل الله بوصاية على الأحكام والتشريعات التي فهموها خطأ من المرويات المقدسة والنصوص التي ضلوا في فهمها، فأخذهم فهمهم بعيدًا عن حقيقة الإسلام الذي نعرفه عن الله إلى قراءات جافة ومخالفة لحقيقة الدين.
جماعة الإخوان المسلمين من أوائل التنظيمات الدينية التي أصلت لمفهوم العنف عمليًا عندما دشنت النظام الخاص أو الذراع العسكرية للجماعة في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، وفكريًا عندما وضع المؤسس الأول للتنظيم حسن البنا، اللبنة الأولى للعنف بقولة في إحدى رسائله: "سوف نستخدم القوة فيما لا يجدي غيرها» فكان إيذانًا لاستخدامه في عصره ومن بعده.
خطورة الإخوان المسلمين ليس في دعوتها للعنف وإنما النصوص الكثيرة التي ألقوها في الطرقات، فيمكنك أن تستشهد بعنف دعوتهم إذا أردت ذلك وتقيم ذراعًا عسكرية وتمارس ذلك العنف بصورة المختلفة، ومن خلال النصوص والحجج في مرويات الجماعة يمكنك أن تحاجج من يتهم هذه الدعوة بالعنف، ولعل هذا سر ذكاء صاحب هذه الدعوة التي نجح في الإبقاء عليها كل هذه العقود الطويلة.
الفكرة الأساسية للعنف في العصر الحديث تولدت بطرح حسن البنا لأفكاره، والتي دعا من خلالها في خطبه ورسائله إلى إعلان الحرب على كل من لا يستجيب لدعوته، كما أنه قام بتسمية هذه الحرب خصومة لا سلم فيها ولا هوادة، هذا الطرح لا يزال التنظيم متمسكًا به ويدعو إليه.
كما دعا حسن البنا إلى ممارسة العنف في رسائله، حيث قال: «وسنتوجه بدعوتنا إلى المسئولين من قادة البلد وزعمائه ووزرائه وحكامه وشيوخه ونوابه وأحزابه، وسندعوهم إلى مناهجنا، ونضع بين أيديهم برنامجنا، وسنطالبهم بأن يسيروا بهذا البلد المسلم، بل زعيم الأقطار الإسلامية، في طريق الإسلام في جرأة لا تردد معها، وفي وضوح لا لبس فيه، ومن غير مواربة أو مداورة، فإن الوقت لا يتسع للمداورات، فإن أجابوا الدعوة وسلكوا السبيل إلى الغاية آزرناهم، وإن لجأوا إلى المواربة والروغان وتستروا بالأعذار الواهية والحجج المردودة، فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام ولا تسير في الطريق لاستعادة حكم الإسلام ومجده، سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة معها حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين».
تتضح خطورة حسن البنا، كما ذكرنا، بنجاحه في إثارة حالة من اللغط على أفكاره المطروحة، حيث وضع الناس بين خطابين كل منهما يناقض الآخر، وطرح أفكارا متباينة يمكن قراءتها من زوايا متعددة، وهو ما دفع البسطاء للإيمان بدعوته، والانبهار ببريقها، وهو ما جعل المنتمين أيضًا يستدعون من تراثه ما شاءوا، ويطبقون منه أيضًا ما شاءوا، فنجحوا في التعمية على البسطاء الذين شكلوا الهيكل التنظيمي للجماعة.
وللتدليل على الفكرة السابقة، نرى أن د. أيمن الظواهري، زعيم تنظيم قاعدة الجهاد، اعترف قبل ذلك بأن قادة «التنظيم» كانوا ملهمين لأفكار العنف، وضرب مثالًا لذلك في كتابه «فرسان تحت راية النبي» بعضو مكتب إرشاد التنظيم ومسئول التربية فيه سيد قطب.
يقول «الظواهري» في سياق الحديث عن بدايات العمل المسلح في مصر ومبرراته، التي تمثل انعكاسا حقيقيا لأفكار سيد قطب، وعبّر عنها قائلا: «وذلك الطريق الذي كان للأستاذ سيد قطب، رحمة الله، دور كبير في توجيه الشباب المسلم إليه في النصف الثاني من القرن العشرين في مصر خاصة، والمنطقة العربية عامة، فباستشهاد سيد قطب، رحمه الله، اكتسبت كلماته بُعدًا لم تكتسبه كثير من كلمات غيره، فقد أصبحت هذه الكلمات، التي سطرت بدماء صاحبها، في نظر الشباب المسلم معالم طريق مجيد طويل، واتضح للشباب مدى فزع النظام الناصري وحلفائه الشيوعيين من دعوة الأستاذ سيد قطب إلى التوحيد».
يدل هذا على حضور العنف في أفكار «التنظيم»، كما يؤكد أنه كان ملهمًا لغيره في ممارسة العنف على مدار الأزمنة التي تجاوزت العقود التسعة، وارتباط هذا العنف بأفكار المؤسس الأول للتنظيم حسن البنا، وأنه جرى عليها تطور في عهود تالية كان سيد قطب أحد شخوصها.