استكمالا لحديثنا الأسبوع الماضى بشأن الأوضاع فى سوريا وتداعيات قرار الرئيس الأمريكى ترامب بالانسحاب من الأراضى السورية وردود أفعال دول العالم، وبالأخص دول الجوار على ذلك القرار وتأثيراته المختلفة، رأيت أنه من المهم تسليط الضوء على الدور التركى فى الأحداث، فعبث الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بمقدرات الأمة العربية، فاق الوصف، وتجاوز كل الخطوط الحمراء، وظهرت أطماع الرجل وحزبه الإخوانى، فى السيطرة على كل الدول العربية، وتحديدا العراق ومصر وسوريا ودول الخليج، واعتبارها إرث أجداده العثمانيين، مستثمرا ثورات الخراب العربى ٢٠١١ لتنفيذ مخططه.
وجدنا أردوغان يتبنى جماعة الإخوان الإرهابية، ويستثمر خيانتها وجموح أفكارها فى حكم العالم، لتنفيذ مخططاته، وبدأها فى مصر وتونس وسوريا وليبيا، وسارت بنجاح، فبنى قصرا شبيها بقصور السلاطين أجداده، واستعان بحرس يرتدى نفس الزى الذى كان يرتديه حراس أجداده، ولولا الملامة، لكان ارتدى هو نفسه زى السلطان العثمانى..!!
وعاش أردوغان الحلم، واستيقظ يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣ على كابوس، بطله المصريون، عندما خرجوا عن بكرة أبيهم وطردوا الإخوان من المشهد العام برمته، وأحبطوا مخططات الأطماع والتقسيم، فبدأ فى تكثيف جهوده للسيطرة على ثروات ومقدرات سوريا والعراق، وانتهك سيادة أراضيهما، وأعطى لنفسه الحق فى أن يكون طرفا أصيلا فى معادلة المصير السورى السياسى، ويتدخل لدعم التنظيمات الإرهابية فى ليبيا، ويعبث فى منطقة القرن الأفريقى لخنق مصر، ثم والأخطر، انتهز فرصة تمرد وخيانة نظام الحمدين لأبناء عمومته فى الخليج بشكل خاص، وأمته العربية بشكل عام، واستطاع أن يضع أقدامه فى الدوحة، «ويستعمرها» لعل يأتى اليوم الذى يتمدد فيه ليسيطر على باقى الجزيرة العربية..!!
كما ظهر خطر أردوغان ونظامه الإخوانى، فى توطيد علاقاته بكل أعداء الأمة، إيران وإسرائيل وقطر، مهددًا الأمن القومى العربى، ومقدراته، ورغم ذلك يخرج على الجميع، بخطابات المزايدة ودفاعه عن الإسلام، ومساندته للأمة الإسلامية فى كل مكان..!!
والآن يلعب أردوغان الدور القذر فى سوريا بالاتفاق مع الإدارة الأمريكية، فهو أكبر حليف لأمريكا فى خطة الهجوم على سوريا، ولولا مساعدة تركيا لما استطاعوا أن يخطوا خطوة واحدة. ذلك لأن لها حدودا برية مشتركة مع سوريا بطول ٩٠٠ كم، وكذلك لأنها الدولة الوحيدة التى تنفذ كل ما يقولونه دون أى اعتراض. ومن جهة أخرى، فهى موعودة بنصيب ضخم من خلال خط غاز «نابوكو». فقد شكلوا حكومة جاهزة لتفعل أى شيء مقابل نيلها حصة فى خط غاز «نابوكو»، ومن أجل أن تصبح فاتحة الشرق الأوسط. هذه الحكومة فتت كل أراضيها للمجموعات المسلحة دون أن يرف لها جفن.
وقد فضحت الكاتبة التركية حميدة ييغيت فى كتابها الأخير «جهاز المساعدات الإنسانية IHH»، وقالت: «هى أكثر الجهات التى تدعم المجموعات المسلحة تحت مسمى «المساعدات الإنسانية»، وذلك بسبب الدعم المفتوح الذى تناله من الحكومة. وبفضل هذا الدعم الرسمى والراحة التى تنالها فقد تمكنت من إطالة عمر المجموعات المسلحة فى سوريا سبع سنوات كاملة؛ حيث إن هذه التنظيمات تحصل على الدعم المالى السعودى والقطرى، وتدار من قبلها ولكن من يوصل المساعدات، وينقل المحاربين، ويداوى الجرحى هو الـ«IHH»، ولولاها لما استطاعت هذه التنظيمات البقاء على قيد الحياة طيلة هذه المدة».
نعود مرة أخرى لنرى أنه كان من الممكن أن تكون الأوضاع فى سوريا أسوأ بكثير مما هى عليه الآن، ويدعم رأينا فى هذا التوجه نيكولاى بلوتنيكوف رئيس مركز تحليل المعلومات بمعهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، الذى ذكر فى جريدة «نيزافيسيمايا جازيتا»، «أنه لو لم يتدخل الجيش الروسى فى الأحداث السورية فى سبتمبر ٢٠١٥، لكانت أيام سوريا كدولة معدودة».
والمتابع للشأن السورى يجد أن تركيا تنشئ على الأراضى السورية الواقعة، تحت سيطرتها شمالى البلاد، وهى أكثر من ٤ آلاف كم متر مربع، مؤسسات حكومية على نمطها وخاضعة لها، فقد افتتحت، منذ فترة، فى مدينة الباب التى استولت عليها أنقرة خلال عملية «درع الفرات» تحت غطاء المعركة ضد «الدولة الإسلامية»، مؤسسة تعليمية تركية، كمثيلاتها فى أكثر من منطقة، وأعلن أن التعليم هناك، وكذلك فى المؤسسات التعليمية الأخرى التى افتتحها الأتراك فى الباب وجرابلس وأعزاز، سيتم بثلاث لغات: العربية والتركية والإنجليزية.
إجمالًا، وفقًا لتقارير وزارة التعليم التركية، جلس على مقاعد الدراسة حوالى ٢٠٠ ألف شخص فى الأراضى السورية، التى أصبحت تحت سيطرة أنقرة. هذا بالتأكيد أفضل من الحرب. ولكن، بحسب بعض الخبراء الأتراك؛ فإن الطريقة التى يتم بها ذلك أشبه بـ«الطموحات الاستعمارية» لأنقرة، التى تريد استعادة نفوذها على الأراضى التى كانت ذات يوم خاضعة للإمبراطورية العثمانية.
كذلك فقد تم إنشاء سلطات محلية ومحاكم وخدمات بريدية، وبدأت الدالات تظهر باللغة التركية على الطرق.. ويتم جمع أموال الضرائب المحلية والإيجارات والرسوم البلدية لتمويل السلطات المحلية.
فى الواقع، الحديث يدور عن مزيد من تدمير الدولة السورية. ففى الوقت الذى يحارب فيه الجيش السورى ضد الجهاديين فى مناطق أخرى، تساعد تركيا فى إنشاء جيب للمعارضة فى شمال سوريا مع سلطات تابعة لها.
ما الذى سيحدث بعد ذلك، لا أحد يعرف. فقيام تركيا بإنشاء مؤسسات موازية للسلطة فى دولة ذات سيادة، مثل سوريا، يمثل مشكلة قانونية ودبلوماسية خطيرة. عاجلا أم آجلا، يجب حلها.
ما يفعله أردوغان فى سوريا والعراق وحمايته لكل التنظيمات الإرهابية، ودعمه اللامحدود لجماعة الإخوان، لتأجيج الأوضاع وإثارة القلاقل فى مصر وليبيا، تحت سمع وبصر الأمة العربية، يثير الغضب، ويدفعنا للتساؤل: أين العرب مما يفعله أردوغان ومحاولة تمزيق الدول العربية المحورية، مصر والعراق وسوريا والسعودية؟!
ما يفعله أردوغان فى سوريا وليبيا والعراق، لا يمكن الصمت حياله، ولا يمكن قبول تصريحات وزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو، مؤخرا التى تحدث فيها وكأنه يملك القرار المنفرد فى التحكم بالبوصلة السياسية فى سوريا، عندما قال نصا إن «وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والعسكريين الأتراك يتبادلون الآراء حول كيفية التنسيق بخصوص انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وعدم حدوث فراغ أمنى هناك».
هذا التصريح يؤكد أن أردوغان عازم على السيطرة على الأراضى السورية، وثرواته النفطية، وفرض أجندة تقسيم الدولة العربية الشقيقة، بما يخدم أهدافه.
الوضع خطير، وتجاوز كل الخطوط الحمراء، وأصبح أردوغان يمثل التهديد الحديث للأمة العربية بأكملها، فى محاولة حثيثة لإعادة إرث أجداده، وأن يصبح خليفة المسلمين، وإن كنا نثمن موقف دولة الإمارات الشقيقة وأيضا البحرين، لإعادة فتح سفارتيهما من جديد فى دمشق، فى رسالة سياسية مهمة، تؤكد أن سوريا تعود لحضن الأمة، وتجاوزت أزمتها الخطيرة، وكذلك الدور المصرى المهم جدا، الذى لم يعلن عنه حتى الآن لدعم الدولة السورية واستقرارها، وهذا أمر يعلمه المعنيون بمثل تلك الأمور؛ فإننا نسأل أيضا، أين باقى الدول العربية ومتى تعيد سفراءها لدمشق، وإحباط مخطط أردوغان فى التهام سوريا..؟! نتمنى أن نرى الإجابة من خلال التحركات العملية على الأرض.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها