الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تصويت الشباب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صارت المقولة الأكثر شيوعا وإلحاحا خلال الأيام الماضية، هى ما سمى: "عزوف الشباب عن التصويت فى الاستفتاء على دستور 2014"، وقد تبارت أصوات كثيرة – عبر منابر أكثر فى وسائط الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى – فى تفسير وتبرير تلك المقولة التى أرادها البعض – فيما يبدو – أن تصبح أمرا واقعا غير قابل لأى نقاش.
وضمن التفسيرات التى سيقت لتبرير ادعاء "عدم نزول الشباب للتصويت" شعور الشباب بأن عملية 25 يناير يتم ضربها واتهام رموزها بالعمالة والخيانة، وأن رموز نظام مبارك تصدروا المشهد فى إشارات متوالية سواء فى المؤتمر التأسيسى لجمعية "مصر بلدى"، أو فى ظهور الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب الأسبق فى اجتماع الجمعية المصرية للسياسة والاقتصاد والإحصاء والتشريع التى يرأسها، أو ظهور الدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق وقيامه بالتصويت على الدستور، وأن كل هذه الإشارات والإيماءات أحبطت الشباب وأشعرته بأن ثورة 30 يونيو هى انقلاب على يناير 2011.. ثم ظهر رافد آخر لذلك التيار الكلامى الذى يحاول تأكيد صحة ادعاء (عزوف الشباب عن التصويت) ثم تبريره وتحويله إلى أمر واقع.. وأعنى بذلك الرافد ما يفترضه أصحابه من أن (عزوف الشباب عن التصويت) كان بسبب المبالغة فى حملة (نعم) للدستور، وفى الدعوة المتواصلة من وسائل الإعلام للتصويت بـ (نعم) للدستور بما أحدث أثرا عكسيا أو سلبيا.
وتتوالى التفسيرات فى أطر لا تختلف – كثيرا – عن منطق المقولات السابقة، والأمر يحتاج – فى تقديرى – إلى ضبط ومراجعة ومناقشة بعيدا عن روح الاستقطاب المقيت التى يتمسك كل طرف من خلالها بالمربع السياسى الذى يرتبط به، وينتج كل خطابه فى إطار (حق أو ضلال).. وأجمل رؤيتى لهذا الموضوع فى النقاط التالية:
• أولا: إن مسألة تأكيد (عزوف الشباب) كموقف جماعى منظم ينبغى مراجعتها بعقلانية ورشاد، فالحقيقة أن صفوف المصوتين تخبرنا بأن الشابات كن حاضرات فى كل مكان أثناء الاستفتاء وعلى نحو متميز، ولا يمكن والحال كذلك، أن نتكلم عن عزوف "الشباب" لأن البنات جزء من ذلك الشباب.
• ثانيا: الكلام عن أن المبالغة فى حملات التوجيه نحو التصويت بنعم أدت إلى عزوف الشباب، يبدو مصطنعا ويحاول القفز إلى نتائج بعينها تم تحديدها نظريا فى أذهان أصحابها لأن حملات (نعم للدستور)، وحتى برامج التليفزيون التى دعت إلى التصويت الإيجابي على الدستور استمرت لحوالى شهرين، ومن ثم فإن التساؤل ضرورى وواجب حول أسباب عدم ظهور مثل تلك الادعاءات طوال شهرى الحملة، لأن ظهورها الآن بالتحديد، وبعد الحضور الهائل فى الاستفتاء على الدستور والتصويت الكاسح بنعم عليه، يوحى بأن تلك النتيجة ساءت البعض أو أضعفت من مواقفه السياسية على نحو يدفعه إلى محاولة تشويه ما تحقق، وإدانة دور الإعلام بالذات فى تحقيقه.
• ثالثا: ما نراه الآن من محاولة الحديث عن عودة رموز نظام مبارك هو أمر يدخل – قولا واحدا – فى نطاق اختلاق فكرة غير منطقية، أو عملية، لأن كل الإشارات التى قالوا إنها توحى بذلك لا تتضمن معنى (العودة) إلى الحكم، وإنما – كما فهمتها ويفهمها أى إنسان ليس فى قلبه غرض أو مرض – هى ممارسة للحقوق الطبيعية من جانب أفراد كانوا ينتمون إلى نظام مبارك.. فالدكتور فتحي سرور هو رئيس لجمعية من شأنها أن تناقش دستور البلاد (وقد كان معدا للتصويت وقتها) والرجل نفسه من حقه الحضور والاشتراك فى المناقشة لأنه رئيسها، ثم أنه – كما تعلمون – كادر برلمانى وقانونى معروف عالميا.. ود. زكريا عزمى مارس حقه فى التصويت على دستور البلاد والذى لا يستطيع أحد أن يحجبه عنه.. أما حضور الاجتماع التأسيسى لجمعية (مصر بلدى) مهما كان بينهم عدد كبير من أعضاء وقيادات الحزب الوطنى الديمقراطى، فقد مارسوا حقا سياسيا أصيلا لهم بالتعبير عن أنفسهم وأفكارهم، والتحرك من أجل مطالبة القائد العام للجيش بالنزول إلى معترك انتخابات الرئاسة، وكذلك العمل على تكوين كتلة يمكن الاعتماد على تأثيرها فى الوصول إلى حجم معقول من مقاعد مجلس النواب (البرلمان) المزمع انتخابه.
وكما نرى فإن تلك الظواهر الثلاث كانت تعبيرا عن (حقوق) ولا يصح الاعتراض عليها، وإلا نكون قد عدنا إلى مأساة (العزل) التى شهدنا فصولا مروعة منها فى ساحة برلمان الإخوان الباطل والمنحل.. وتذكرون كيف تعانق مجهود عصام سلطان (نائب رئيس حزب الوسط والمحبوس – حاليا – على ذمة عدد من القضايا يتشارك فيها مع رموز جماعة الإخوان الإرهابية باقة كبيرة من الاتهامات) مع مجهود عمرو حمزاوى الاستراتيجى الذى التحق بأحداث يناير بعد بداياتها، وبحيث رسم الاثنان – عن قصد وتدبر – قانونا يترصد أشخاصا بعينهم للإطاحة بهم من سباق الرئاسة الانتخابى.. كما تابعنا المناقشات الجادة فى لجنة الخمسين لإعداد دستور البلاد، والتى تم فيها نسخ أفكار العزل التى رآها البعض وصمة لا يجوز أن تلحق بالبناء الديمقراطى الذي ينشده الشعب.
وبتلك المعانى فإن الانزعاج من ممارسة بعض رموز نظام مبارك لحقوقهم السياسية هو أمر غير مبرر، والمبالغة فى الخوف من عودة نظام مبارك غير واقعية لأن شرعية جديدة تأسست فى البلاد ولا مجال لعودة عقارب الساعة إلى الوراء.
أما أفكار منع أولئك الناس من ممارسة حقوقهم فهى – على ذلك النحو – غير دستورية/ قانونية أو إنسانية/ أخلاقية.
والخوف والتخويف من مجموعات تنتمى إلى الحزب الوطنى – فى الواقع – مسألة انتخابية يريد أصحابها منع بقايا ذلك الحزب من الظهور فى ساحة المعترك الانتخابى المقبل، ومن ثم الانفراد الإقصائى بتلك الساحة وهو ما لا يجوز ديمقراطيا على أى نحو.
• رابعا: وضمن الملفات المتعلقة بادعاء (عزوف الشباب عن التصويت) ما يرتبط باختلاط عدد كبير من النقاط حول الموضوع.
فهذا الأمر (إن كان له أى قدر من الصحة) يعود – فى الأصل والأساس – إلى مدى فاعلية الأحزاب المصرية التى تملأ الدنيا ضجيجا أناء الليل وأطراف النهار عن علاقتها بالجماهير.
وكون الشباب (عزف عن التصويت) – إن كان صحيحا – يشى مباشرة بضعف الأحزاب المصرية وعدم قدرتها على الوصول والنفاذ للناس الذين – فى مجملهم – لا يعرفون أسماء تلك الأحزاب أو زعاماتها.. ومن جهة أخرى فإن هناك من نسب إلى الفريق أول السيسى قوله إن أحدا من رموز النظام القديم لن يظهر على الساحة السياسية، وقد قرأت – بعناية – نص ذلك التصريح فى عدد من الجرائد فرأيته منقولا عن ما سمى (مصدر وزارى) دون تحديده، الأمر الذى شككنى فى الدقة، وبخاصة أن القائد العام للجيش لا يمكن أن يقول مثل ذلك الكلام الذى يحجب الحقوق القانونية عن عدد من أناس لم تتم إدانتهم جنائيا فى أي قضية، وبما قد يؤدى إلى ضرب مفهوم (النظام القانونى الرشيد) الذي نريد بناءه فى مقتل.. ثم إننى لا أتعامل مع أى تصريحات منسوبة إلى الفريق أول السيسى لم يتم ذكرها فى الموقع الرسمى للقوات المسلحة أو على لسان المتحدث العسكرى، وأى كلام منسوب إلى (مصدر وزارى) أو مثل تلك التسميات، لا أنظر إليه بأى اعتبار، وبخاصة أننى أتشكك فى ارتباطات ونوايا بعض وزراء حكومة الببلاوى، ولا اطمئن إلى براءة الأسباب التى تدفعهم إلى ترديد أو إشاعة كلام بعينه فى وسائط الإعلام.
ومن جهة ثالثة راجت وسط هوجة الكلام عن (عزوف الشباب) ضرورة أن ترتبط مسألة مطالبة الفريق أول السيسى بالترشح لرئاسة الجمهورية ببرنامج سياسى (ثورى)، وأن ذلك هو الضمان لاندماج الشباب فى العملية السياسية وعدم (عزوفه).
والحقيقة أننى لا أرتاح - كثيرا – لتلك المقولات التى تلقى إلينا بوصفها حقائق، وهى تفتقر إلى أى برهان يصادق عليها.. فمن الذى قال إن غياب ذلك البرنامج (الثورى) هو الذي أدى إلى (عزوف) الشباب، بافتراض أن الشباب عزف فعلا؟.. وما هى طبيعة ذلك البرنامج (الثورى)؟.. ومن هو أو من هؤلاء الذين سيصوغون ذلك البرنامج (الثورى)؟.. وما هى السلطة المادية أو المعنوية التى يستندون إليها فى فرض مثل ذلك البرنامج على رجل لم يعلن – بعد – قراره بالاستجابة إلى مطالبات الجماهير؟.. وهل طبيعة الفريق أول السيسى تسمح بقبوله مثل ذلك الحصار الذى استبق خطوته المقبلة؟
• خامسا: ما يجرى فى ذلك الموضوع المفتعل (عزوف الشباب عن التصويت) هو محاولة بعض الرموز السياسية والقوى الحزبية البائسة (تصنيع) أزمة للنظام حتى يفرضون أنفسهم على الرئيس المقبل دون مسوغ أو سنادة جماهيرية، وبحيث يدعون أن بأياديهم مفاتيح حل أزمة (عزوف الشباب عن التصويت)، ومن ثم يختلقون أدوارا لأنفسهم بعد أن انتهوا – عمليا – بالتصويت على الدستور، وبعدما صاروا "كروت محروقة" ليس لها وجود فى الشارع أمام شعبية السيسى الغلابة.
هم يريدون إطالة أعمارهم الافتراضية باختراع أزمة هى (عزوف الشباب عن التصويت) وبطرح أنفسهم باعتبارهم حل تلك الأزمة الذي ينبغى على السيسى الالتجاء إليه ومنحهم – فى تصوراتهم الحمقاء – أدوارا ومواقف فى المقابل، وهو ما لن يحدث أبدا.. لن يحدث أبدا.