الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تغريدة قاتلة.. وتعليق مليء بالدماء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم برودة شتاء ديسمبر، وكعادته فجر كل صباح، ما أن ينطلق رنين المنبه الصغير المجاور لفراشة حتى يفتح عينيه متأهبًا، ظنًا أن هذا اليوم يحمل له ميلاد جديد، رغم أنه تعود على اكتشاف أن تلك الظنون من النوع الأثيم، راح يهز رأسه يمينًا ويسارًا، نافضًا ما علق بها من بقايا إحباط أيام كثيرة مضت، أزاح غطاءه ثم وقف مرة واحدة على قدميه، وراح يتمطع يمينًا ويسارًا نافضًا عنه حنين العودة إلى الفراش مرة أخرى، قبل أن يتجه إلى جهاز الكمبيوتر صديقه الوحيد.
شاب صغير، اسمه جمال، لم يتجاوز السابعة والعشرين، لذكائه الخارق لقبه زملاء جامعته السكندرية بـ"جيتس البحر المتوسط"، لعبقريته في مجال الكمبيوتر والبرمجيات، كان يظن أنه وبمجرد تخرجه ستتصارع الكثير من الشركات لاختطافه، ولكنه كما قُلنا تعود أن الكثير من الظن من النوع الأثيم، مرت خمس سنوات على تخرجه، ولم يرَ هذا الصراع، أجرى المئات من المقابلات، ولم يجد أي متحمس له، لم تنجده عبقريته، لم يسعفه تفوقه، فقط لأنه إنسان بسيط، لم يمتلك يومًا ذلك الفانوس السحري المُلقب بالواسطة، ليحصل على أبسط حقوقه.
شاب صغير، رغم سنوات عمره تلك لم يبدأ حياته بعد، يقف كما يقول دائمًا في منطقة وسطى بين ميلاده كإنسان ووفاته، من يراه لا يدرك أنه في العقد الثالث من عمره، بل كهل عجوز، أطلق لحية صغيرة ما زالت في مرحلة النمو، وشعره طويل أسود بدأ يخط الشيب بعض خصلاته، ووجه شاحب مستطيل اختفت معالم لونه الخمري، يميل إلى صفرة شخص مريض، أما عينيه الضيقتين، فكانت النافذة التي يمكن أن نرى من خلالهما ما يجري في عالمه الداخلي، دائمًا قلقتان، نقرأ فيهما الانتظار والأمل والقلق، هكذا صنعت منه السنوات الخمس الماضية.
لم يشعر جمال بتلك التي وقفت على باب غرفته تتأمله بحذر مريب، تلك التي الأم التي دائمًا ما تردد كلما رأته بصوت خافت، ليتني ما أنجبتك لتعاني هذا المصير، تحدت أمراض شيخوختها ووقفت خلفه مُحملقة، تراقب ابنها الوحيد بعين مُشفقة، شيء ما جعلها لا تغمض العين منذ ودعته ليلة أمس، باتت ليلتها تصلي وتدعو له، كأن شيء ما سيصيب وليدها، اضطراب قلبها، ارتجافة جفنيها، تنبئانها بذلك.
التفت جمال فجأة ليجد أمه تقف هكذا بلا صوت، فقال بصوت هادئ: "فيه إيه يا أمي.. أنت صحيتي بدري ليه"، تنهدت أمه قائلة بصوت غلب علية التوتر: "أنا منمتش طول الليل.. قولت ألحقك قبل ما تنزل"، أطرق رأسه حزنًا ثم اتجه إلى جهازه متمتمًا بصوت إنسان يتألم، لن أخرج اليوم يا أمي، جدول اليوم لا يتزاحم فيه تلك المقابلات السخيفة، سأفعل كما فعل السابقون، إما أن أعيش سجين هذه الغرفة لاعنًا سنوات ضاعت بلا فائدة تُذكر، أو أن أمزق تلك الورقة عديمة الفائدة وأبحث عن شيء آخر لا علاقة بها، آلا ترين أن هذا حل يرضي جميع الأطراف.
التفت جمال إلى جهازه، تجاهل تلك الأم التي لم تذق طعم النوم ألمًا عليه، لم تجد كلمات يمكن أن تواسيه بها، فقط، تركت العنان لسيل من الدموع الصامتة، قبل أن تتركه متجهة إلى غرفتها، في حين انشغل ابنها في متابعة صفحته علي موقع التواصل الاجتماعي، مشرد الذهن، لا يبالي بما كتب عليه، فقط يتنقل هنا وهناك بلا أي هدف، حتي جاءته تلك الرسالة، لم تكن من أحد أصدقائه، ولكنها تمكنت من لفت انتباهه، فراح يقرأ فحوى ما جاء بها، بين الحين والآخر تتسع عينيه.
"السلام عليكم يا أخي في الإسلام.. كل أخ مسلم أخ لي لم تلده أمي، وأنا أخ لك عاني كثيراً إلى أن وجدت ضالتي.. وجدت أن الإسلام هو الحل.. الحل في حياة كريمة.. الحل في مساواة بين جميع الناس مهما اختلف الدين، ومهما اختلفت اللغة، ومهما اختلف اللون.. لذلك يطلقون علينا إرهابيين.. يتهموننا بأننا قتلة لأننا لا نريد سوي تطبيق شرع الله.. لم يفزعوا من قتلهم الملايين في العراق وفلسطين والصومال وأفغانستان.. هم الإرهابيون يا أخي وليس نحن".
تلك كانت الرسالة التي استرعت انتباه جمال، بل جعلته يستسلم بكل حواسه لكل حرف جاء بها، وكان من الطبيعي أن تثير شابا بسيطا مثله، شاب عاش عمرة يبحث عن تلك الحياة الكريمة، فهو مثل الكثير من الذين تربوا وعاشوا بحثًا عنها، شاب من السهل ان يقع فريسة لتلك الرسائل العابرة للمكان والزمان، مجهولة المصدر والهوية، ولكنها عادة ما تنجح في اللعب علي ذلك المرض الذي يُصيب كل من أصابته تلك الحسرة وخيبة الأمل، وكانت تلك القصة التي لعبوا بها علي جمال. 
المشهد الثاني
خلف جهازه جلس إيتان بن نوعام يحتسي القهوة، بين الفينة والأخرى ينظر إلي صفحته التي حملت اسمًا غير اسمه، وصورة غير صورته، يتابع ذلك الحديث الذي يدور بينه وبين شاب ليس من مواطني أبناء جلدته، والذين ينتمون لذلك الكيان الذي زرعوه في جسدنا المريض، كعازف محترف راح يلعب علي أوتار جراح ذلك الذي يتحدث معه، يُحدثه عن تلك الأحلام التي دائمًا ما تراوده، عن تلك الحياة التي أنهك عقله وجسده بحثًا عنها، نجح أخيًرا في أن يجذب انتباهه كخطوة أولي لنجاح خطته.
في تلك اللحظة اقتحم رجل تلك الغرفة، يرتدي حلة رجل جيش زيتيه اللون، انتفض إيتان بمجرد أن رآه يقف أمامه، رفع يده بالتحية العسكرية، ثم قال بصوت قوي، أمر سيدي ذلك الشاب أصبح جاهزًا لما نريد، تقدم الضابط من جهاز إيتان، راح يراجع مناقشته مع ذلك الشاب، وكيف أنه أضحي مستعدًا للانضمام دون أن يدري إليهم.
وبينما كان الضابط يتابع باهتمام صفحة ذلك الشاب، تقدم إيتان منه بهدوء قائلًا، لا تقلق سيدي، هذا الفتي سيكون لنا صيدًا ثمينًا، منذ أكثر من ستة أشهر وأنا أضعة تحت مراقبتي الشخصية، وهناك قاعدة معلومات عن كل ما تعرض له من ظلم وقهر، وعن كل ما كتبه من يوميات ترصد حالة البؤس التي يعيشها، التفت الضابط إليه متسائلًا، وكيف سنتعامل معه ونقنعه بالانضمام إلينا يا إيتان، لاحت علي وجهه تلك الابتسامة الصفراء التي لا تليق إلا به، قبل أن يقول ساخرًا، ولماذا يا سيدي نسعى نحن إليه، ورجالنا هناك قادرون على الوصول إليه، فأنفجر الاثنين بتلك الضحكات الشيطانية وقد أدركوا أنهم أخيرا وضعوا أيديهم عليه.
جلس إيتان بن نوعام أمام جهازه مرة أخري باحثًا عن صفحة شخص أخر، ثم راح يدون رسالة بأمر مدفوع الأجر، "عزيزي السيد بسام، في ارض النيل شخص يدعي جمال، بلغ من الجاهزية ما يمكنك من الاستفادة منه، يؤمن بأن الدماء تطهر تلك الروح الشريرة التي تحلق فوق رؤوسكم، وأنه جسده بُعثت فيه الروح من أجل إعلاء كلمه الله علي تلك الأرض، وإني أرسل إليكم صفحته الشخصية لتجنيده علي الفور، التوقيع المهدي المنتظر، ثم وضع رابط صفحة ذلك المصري المطحون أسفل رسالته.
المشهد الثالث
"أين أنت يا صديقي.. لماذا لم تأت في الموعد".. بهذا العبارة استقبل شريف رسالة صديقه علي موقع التواصل الاجتماعي، فقد كان بينهم موعداً للتنزه، تلك الاضطرابات التي اشتعلت في المنطقة التي يعيش فيها، وحرب الشوارع التي اندلعت منذ أمس بين مؤيدين ومعارضين، منعته من الخروج خشية الإصابة أو القبض علية.
"أسفل منزلي كمين يعج بالضُباط ومدجج بالسلاح".. إجابة عفوية قد تبدو بسيطة، ولكنها في واقع الأمر الإجابة التي ينتظرها البعض، فعلي بُعد آلاف الكيلو مترات، يجلس ذلك الضباط خلف شاشته يلتقط تلك العبارة التي يكتبها، ومن حديثهم المتبادل علي الخاص يمكنه أن يعلم كل معلومة عن موقع الكمين ونوعية الأسلحة وحجم العدة والعتاد، بل وعدد ضباطه، واقرب نقطة إمدادات يمكن أن تصلهم.
"بوووووووووم".. فجأة وبدون مقدمات يدوى في سماء القاهرة انفجار ضخم يهز أرجاء المدينة الساكنة، تسود الأجواء اضطراباً وهلعاً من هول المشهد الأليم، الأشلاء في كل مكان، وما بقى من أجساد الجنود تفحم، اشتعلت النيران في السيارات ومداخل بعض المنازل، انطلقت الحناجر بالصُراخ هنا وهناك، وكالعادة فر الجبان بفعلته الخسيسة بعد أن أدي مهمته.
قد تبدو تلك مشاهد سينمائية من صنع مخرجي السينما الأمريكية "هوليوود"، أو حتي السينما الهندية "بوليوود"، ولكنها في واقع الأمر مشهداً واقعياً اعتاد مواطنينا من المحيط إلي الخليج التعايش معه وبشكل شبه يومي، وبطريقة منظمة تجعلنا نتساءل عن السر وراء نجاح تلك العمليات الإرهابية المريرة، وعن حجم المساعدات التكنولوجية التي يتلقاها الإرهابيون في العالم العربي.
"الإنترنت العربي تحت سيطرة الاستخبارات "الـ"أنجلو- صهيونية".. كانت تلك هي الإجابة الصادمة التي سمعتها من أفواه مسئولي أمن المعلومات، سواء المصريين أو حتي الغربيين، فطبقاً لوجهة نظرهم كل ما يدور علي الشبكة العنكبوتية وما تحمله من خدمات كالبريد الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، خاضع للسيطرة الأمريكية والإسرائيلية، وإن هذان التحالفان يتحكمان في مدخلات ومخرجات عالم الإنترنت.
" تغريدات قاتله.. وتعليق مليء بالدماء".. هذا ما يحدث بالضبط، فمن خلال ما يكتبه الملايين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، يصبح المجتمع عاريًا أمام من له أهداف علي أرضه، وقد فطن الكيان الصهيوني إلي تلك القضية منذ سنوات طويلة، حتي أنه قام بتأسيس وحدة استخباراتية مسئولة عن التجسس الالكتروني، أطلقوا عليها الوحدة 8200، تلك الوحدة مليئة بآلاف الضباط المدربين علي الاستقطاب الإلكتروني داخل مواقع التواصل الاجتماعي، أكثر مهامهم خطورة مراقبة المعلومات الخاصة بتحركات وكتابات البعض داخل نطاق مواقع الصراع، والحصول على المعلومات التي تخص الشأن الداخلي لخدمة الخطط الأمنية في تجنيد عملاء جدد، أو في دراسة وتحليل المعلومات المنشورة، والتي تعبر عن المواقف السياسية والاجتماعية المختلفة.
دون أن يعلم الكثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي تمكنت بعض الجهات الإستخباراتية سواء كانت التابعة لدول أو لجماعات سياسية أو مسلحة مختلفة من تحليل شخصية وسيكولوجية العرب، وتحديداً دول الربيع العربي الخمس وعلي رأسها مصر، وقاموا بعمل دراسات تحليل مضمون خرجوا بها بأهم النقاط، أولها "العاطفة" التي من خلالها تمكنوا من اللعب علي العديد من الأوتار، أكثرها التدين والعلاقة برجال الدين، وبعضها التعصب بكل أنواعه، وبالطبع أهمها التعصب الكروي.
هكذا تمكنت أجهزة الاستخبارات المختلفة من تخزين ملايين ومليارات من المعلومات التي تقوم بصفة شبه يومية بعمل "Update" لها دون أن نعي أهمية تلك المعلومات التي قد تبدو سطحية، ولكنها في واقع الأمر معلومات في غاية الخطورة يمكن استخدامها في الوقت المناسب، وبشكل يؤكد أن مواقع التواصل الاجتماعي، وعلي رأسها "فيسبوك" و"تويتر" يمكن أن تصبح أدوات استخباراتية لجمع المعلومات، بل وتتحول تدريجيا من مجرد عالم افتراضي إلى حرب عقول.
ما سبق يجعلنا لا نتعجب حينما ندرك أن الاستخبارات الإسرائيلية قررت في "مؤتمر هرتسيليا" الأخير، إفراد مساحة لدراسة آلية التعامل مع هذا المتغير الأمني الجديد من باب كشف الفرص والتهديدات الخاصة الأمنية، وقد تمخض عن هذا المؤتمر تأسيس أول معهد تكنولوجي "فيسبوكي" لتجنيد الشباب العربي، فطبقا لصحيفة "يديعوت آحرونوت" العبرية، أسس جهاز الموساد الاستخباراتي "معهد الموساد للاستخبارات والعمليات الخاصة"، والذي أطلق حملة جديدة علي موقع الفيسبوك تحت شعار "مع أعداء علي هذا النحو هناك حاجة للأصدقاء"، هدفها "تجنيد" العديد من المهنيين العرب إلي صفوف الموساد الإسرائيلي.
"الفيسبوك موقع استخباراتي صهيوني".. هذه ليست عبارتي أنا، ولكنها كانت عنوان لتقرير موسع لمجلة فرنسية تدعي "إسرائيل اليهودية"، أكدت فيه أن مهمته تجنيد العملاء والجواسيس لصالح إسرائيل, من خلال الاستفادة القصوى من الكم الهائل من المعلومات المتاحة عن المشتركين من العالم العربي والإسلامي وتحليلها، وتكوين صورة استخباراتية عن شباب الوطن العربي، فأضحي الشباب فريسة سهلة للاستخبارات الإسرائيلية، فيقومون بتقديم خدمة بدون ثمن، ومعلومات هامة للمخابرات الإسرائيلية دون أن يعلموا ذلك.