أين تكمن القوة؟ هذا السؤال البسيط تتعدد الإجابات عنه، هناك من يراها فى ذراع مفتولة أو عقل لبيب أو إرادة حاسمة وغيرها من عشرات الإجابات وكلها صحيحة، تبادر ذلك السؤال إلى ذهنى فور أن قرأت خبر الاعتداء على الأتوبيس السياحى بمنطقة المريوطية، ضيوف أعزاء فى بلادنا يتنسمون هواء النيل ويلتمسون الدفء من شمسها، ضيوف أعزاء جاءوا من فيتنام التى يستغرق الوصول إلى مصر منها أكثر من 9 ساعات طيران ليستمتعوا برؤية الأهرامات أيقونة الدنيا ومعجزتها، جاءوا رغم ما تقوله الميديا العالمية عن الإرهاب فى بلادنا، وبدلًا من استقبالهم بالورود قام مجرم يتبع لتنظيم عصابى من المجرمين المتسترين بالدين ليزرع فى طريقهم عبوة ناسفة.
لا شك أن الخبر مفزع ومؤلم، هذا الألم ليس بسبب الضحايا فحسب ولكن بسبب الصورة العامة لبلادنا التى يحاول الإرهابيون رسمها، وبسبب آلاف البيوت التى تعيش على صناعة السياحة وفى إصرار غبى يحاول هؤلاء الإرهابيون غلق تلك البيوت.
نعود إلى سؤالنا الذى بدأنا به.. أين تكمن القوة ؟ هل الجبان الذى تسلل فى طريق الآمنين زارعًا الموت هو القوي؟، بكل وضوح الإجابة لا، القوة فى مفهومى هى القيام بسرعة بعد أى كبوة، القوة هى السير نحو الهدف بكل ثبات رغم كل المعوقات التى يصنعها لنا خونة الداخل وأعداء االخارج، القوة هى ألا ترتعش يد المقاومة التى تحاول اجتثاث ذلك الداء الملعون الذى يضرب فى الخفاء واسمه الإرهاب.
وبهذا المنطق أستطيع القول إن مصر بالفعل قوية وأنها فى جولات حربها اليومية ضد الإرهاب تحقق انتصارات حقيقية، دماء الشهداء مؤلمة ولكن طريق النجاة لن يتحدد إلا بتلك الدماء التى تغسل دنس السنوات العجاف التى عشناها ومازلنا نعانى من توابعها، فالإرهاب الذى اختبأ فى كل زاوية وفى كل تفاصيل حياتنا على مدار عشرات السنين ليس من السهل قطع دابره بين ليلة وضحاها، كل ما يريده المصريون هو الاطمئنان على الخطوات التالية فى مختلف مناحى الحياة.
أجندة العلاج معروفة وواضحة ومعلنة ومكتوبة منذ سنوات فى التعليم والثقافة والمؤسسات الدينية والإعلام والأمن، الأجندة مكتوبة وفى السطر الأول منها مواجهة الفساد بكل حسم وضرب الازدواجية فى التعليم، وتمكين المواهب، والقضاء على المحسوبية، وانتهاء زمن التوصية بالكارت الذى يفتح الأبواب المغلقة لمن لا يستحقون، القضية شاملة ولا يمكن اختصارها فى تأمين طريق أتوبيس سياحى ولا اختزالها فى ذئب منفرد يدفن عبوة بدائية الصنع فى طريق الناس.
وكما نتابع العملية الشاملة فى سيناء ننتظر المواجهة الشاملة لكل ما هو ضد الحياة فى بلادنا، العجز عن توفير سرير لمريض فى مستشفى ضد الحياة، تكدس الفصول التعليمية مع تدنى كفاءة المدرسين ضد الحياة، التلكؤ فى القضايا بالمحاكم ضد الحياة، ازدواج التعليم فى مصر ما بين أزهر وتعليم عام ضد الحياة، صعود الجهلة على الشاشات الفضائية وتوزيع الجهل على الناس ضد الحياة، الرشوة والإهمال فى العمل والتراخى عن المحاسبة ضد الحياة، هروب رجال الأعمال من الضرئب واعتدائهم على حقوق العمال ضد الحياة، ارتفاع تكلفة المستلزمات الزراعية وعجز الفلاح عن القيام بدوره ضد الحياة.
هى منظومة شاملة نحن الآن على أتم الاستعداد للتضحية من أجلها، هى منظومة تليق بدولة 30 يونيه ويستحقها الشعب المصرى الذى يدفع يوميًا دمه ثمنًا للغد المنتظر، فالقوة التى يعلن عنها المصرى عقب كل جريمة إرهابية تؤكد وتفرض على المسئولين التعامل بلغة الحسم الباتر، فالإرهاب وعصاباته المحلية والدولية أضعف بكثير من مواجهة شعب يودع شهداءه بالزغاريد، كل ما نراه يؤكد امتلاك مصر الجديدة للإرادة وعزمها على الانتقال من زمن إلى زمن، كل ما نراه ينادى على الكفاءات أن تتقدم، وقتها سيكون ذلك هو عظيم عزائنا لضيوفنا الفيتناميين الذين غدر بهم جبان لا يعرف معنى الوطن ولا يفهم ألف باء إنسانية.
تبقى فقط أن أقول لمن فقد بوصلته قل خيرا أو لتصمت لا تكن من هؤلاء الشامتين فى بلدك إن كنت حقا تعتبرها بلدك.