بدأت الإشكالية التاريخية حول صورة الإسلام لدى الغرب بدءًا من القرن الثامن عشر الميلادى، وهو القرن الذى تكونت فيه الامبراطوريات الأوروبية ثم بدأت تتحد خلاله عبر العالم عن طريق الاستعمار، وذلك بأساليب مختلفة، وتكوين صورة ذهنية سلبية عن بلاد الشرق. من هنا بدأت تتشكل الرؤى الاستشراقية الأكثر عُمقًا من خلال علم الاستشراق حول الصورة السلبية عن الإسلام فى الغرب فى عِقد السبعينيات من القرن الماضى بعد حرب أكتوبر 1973 وقطع العرب المسلمين، وعلى رأسهم السعودية الإمدادات البترولية عن الغرب؛ والذى كان المورد الرئيس للعيْش هناك. ونظرًا لكون معظم العالم العربى مسلمًا تكونت صورة سلبية عن الإسلام فى الإعلام الأمريكى، وانتقلت الصورة نفسها للدول الأوروبية، على الجانب الآخر تشكلت الصورة السلبية نفسها عن الإسلام بعد الثورة الإيرانية حيث كانت تصرفات الخومينى، ومَن حوله غير مفهومة للغربيين؛ لأنه كان رافضًا لكل من النظام السياسى الاشتراكى والرأسمالى الذى كان يقدمه الغرب حينذاك، وهكذا ارتبط مفهوم الإسلام بالأصولية وبعدم القدرة على فهم الآخر، من هنا تجسدت كراهية الإسلام باعتباره قوة عالمية مؤثرة.
لذلك يمكن القول إن أهم الظواهر التي تملأ ساحات الآفاق العربية والدولية والمصرية تتمثل فى الأصولية الدينية ومشكلاتها المتعددة والتى استفاد منها الآخرون فى رسم صورة ذهنية سلبية عن الإسلام، ولعل أهم ملمح من ملامح هذه الظاهرة ليس الدعوة إلى العودة إلى الأصول النقية للدين، وإنما فى خلط الدين بالسياسة، كما يتبين من المشروع السياسى لجماعة «الإخوان»، ودفع هذا الخلط المعيب قادة وأنصار هذه الحركات إلى صياغة مشروع سياسى له هدف استراتيجى هو الانقلاب على الدولة المدنية الراهنة، سواء بالعنف أو باستخدام آليات الديمقراطية ممثلة فى الانتخابات لتأسيس دولة دينية تحل محلها وتُطبق فيها الشريعة الإسلامية حسب تأويلاتهم المنحرفة؛ سعيًا لتأسيس الخلافة الإسلامية من جديد، فى محاولة يائسة لاسترداد الحُلم المفقود، لتبدو خطورة الأصولية الدينية فى مشروعها السياسى المتطرف الذى هو أشبه ما يكون بجملة اعتراضية عنيفة على المسار الديمقراطى العلمانى الذي يفصل فصلًا حاسمًا بين الدين والدولة، وليس بين الدين والمجتمع، ولكن خطورته تبدو فى تزييف وعى عشرات الألوف من الشباب وغزو عقولهم ببضعة مبادئ تتسم بالجمود الفكرى، وتفرض عليهم الانصياع التام لها عملًا بمبدأ السمع والطاعة.
من هنا تساعد هذه الجماعات المتطرفة على خلق عقل تقليدى يصطدم سريعًا بالتيارات الأخرى، ولا يتردد فى استخدام العنف، ليس ضد السلطة فقط ولكن ضد الشعب ذاته، كما هو الحال فى مصر التى تحولت فيها جماعة «الإخوان» من مشروع إسلام سياسى إلى جماعة إرهابية صريحة تمارس الاعتداء على السلطة وترويع الشعب بشكلٍ ممنهج، ودون استثناء لا تقتصر مخاطر حركات الإسلام السياسى على السياسة الداخلية فى مصر فقط، لكن تمتد آثارها الضارة إلى مجال السياسة الخارجية للدول الكبرى.
وقد تأسست فكرة إطلاق مشروع «الدولة الإسلامية» كعصب لتنظيم «داعش» الإرهابيالذى يرى نفسه ممثلًا حصريًا عن الإسلام والمسلمين، وأن ما يقوم به وينطلقون منه هو الإسلام الصحيح الذى يخدم مصالح الأمة ويحقق عزها، وأن دولتهم تجمع ما بين الشام والعراق فى دويلة دينية، اتخذت مفهوم الجهاد العقدى الذى خرج من رحم المؤسسة السلفية الوهابية بكل طوائفها، وكان للتخطيط والتدريب والتسليح من قِبَل المخابرات المركزية الأمريكية دور رئيس فى ولادة ما أسموه «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» (داعش) وأخواتها، مثل «جبهة النصرة» فرع تنظيم «القاعدة» فى سوريا أو ما يُطلق عليه «الجبهة الإسلامية» وغيرها من المنظمات الإرهابية فى مختلف البلدان العربية والأفريقية، ما جعل الولايات المتحدة تتباهى بمشروعها فى الشرق الأوسط الجديدالقائم على أسس عرقية ودينية وطائفية، والمتوازى مع ما يُدَبر للعراق من مشروع التقسيم منذ احتلاله أمريكيًا، حيث أخذت فكرة إطلاق مشروع «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» الإعلام الأمريكى، بل الخطاب السياسى الأمريكى الذى يختزلها عمدًا إلى اسم «الدولة الإسلامية» لتكون النظير الإسلامى لمشروع الدولة اليهودية الذى تطالب به حكومة نتنياهو فى فلسطين المحتلة، وتؤيده بقوة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما والرئيس الحالى دونالد ترامب.
إن «داعش» استخدمت أسلوب حركة «طالبان» فى إثارة الحقد على الإسلام على نحو ما يحدث من ترويج إعلامى متعمد لمشاهد ذبح الرهائن جعل هذا التنظيم الأغنى بين المنظمات التكفيرية الأخرى بعد ما سُمح له بالسيطرة على البنك المركزى العراقى وبيع النفط على الحدود العراقية التركية. وكانت تركيا المستفيدة الوحيدة مما يحدث فى البلدان العربية لدعم تخيلاتها بنشر المشروع الإمبراطورى العثماني التركى فى الوطن العربي؛ فقد لعبت تركيا وإسرائيل دورًا محوريًا فى خدمة وتدريب ودعم هذا التنظيم، وقدمتا له خدمات التدريب والاستشارة والعلاج فى المستشفيات التركية والإسرائيلية. ومنذ 30 يونيو 2013 وجماعة «الإخوان» تحمل على عاتقها الحرب بالوكالة ضد المؤسسات العسكرية والأمنية المصرية، حيث أكدت صحف أجنبية وعربية أن الجيش المصرى لم يعد مجرد فكرة فى عقول قيادات الإخوان أو مناصريهم من الجماعات التكفيرية، بل أصبح هدفًا لهذه الجماعة التى تحاول تفكيكه لصالح مؤامرة كبرى تتعرض لها المنطقة العربية، وفى قلب هذه المؤامرة الدولة المصرية والسعودية.
ومن المعلوم أن الإسلام السياسى خلال مرحلة ما قبل ثورة 30 يونيو قد أفرز بشكل أو بآخر نمطًا فكريًا متعارضًا مع السياق التاريخى والسياسى لمجمل ما ذهبت إليه تلك الثورة باعتبار أن الإسلام السياسى فى المجمل لم يتفهم أو يدرك الحقائق السياسية والاقتصادية، فضلًا عن عدم تفاعله من الناحية الاستراتيجية والأبعاد الدولية التى تعد أحد أهم عناصر تفاعل أى ثورة فى إطار التغيير المنشود؛ من هنا فإن الإسلام السياسى لا يعد فحسب عائقًا يحول دون اندماج القوى الثورية التى تطالب بحتمية وضعية الثورة فى إطارها الشرعى ما ساهم فى تأجيج المشاعر إزاء حتمية التصدى للإسلام السياسى على نحو ما ذهبت إليه معايير الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق محمد مرسى.
ومن جهة أخرى، نجد أن هناك مَن استفاد من هذه الصورة السلبية عن الإسلام، وهى إسرائيل التى كان يقدمها الغرب فى الإعلام على أنها دولة متوازنة ومعتدلة، وبذلك فإن من مصلحة الغرب أن يظهر الإسلام فى هذه الصورة السلبية طبقًا لتوجهات غير مباشرة تعمل على اتحاد المواقف والرؤى تجاه القضايا الخارجية للعالم الإسلامى، وهو ما يعكس من الناحية المنطقية أن هذه الصحافة لا تنظر إلى ما جرى على أرض الواقع على أنه ثورة، وهذا فى حد ذاته يكشف عن اتجاهات متعارضة وغير منطقية، ويعكس فى كثير من الأحيان توجهات سياسية لا تخدم الحقائق التى جاءت على خلفيتها تلك الثورة، ما يعنى فى النهاية أن الصحافة الغربية تكرس مضمونًا فكريًا أدى فى النهاية إلى حدوث هذا التعارض الغريب فى مواقف تلك الصحافة، وهو واقع صادم للرأى العام الداخلى فى مصر.