تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
فى الأسابيع الماضية كتبت فى هذه الزاوية عن ماسبيرو، والمشكلات التى يجب حلها كى يتعافى من الوعكة التى ألمت به منذ 2011، وحتى الآن، وكتبت كذلك عن الإذاعة المصرية العريقة، وكيف انهارت هى الأخرى ولم يكن أمام المسئولين غير تدشين مجموعة من الإذاعات الوليدة على موجة الـ FM لكى تواكب الأحداث والمتغيرات فى ظل إذاعات إسرائيلية يصل مداها إلى العمق المصرى، وفى ظل إنترنت يحمل آلاف الإذاعات التابعة لتيارات سياسية مختلفة ولطوائف دينية ولأجهزة مخابرات، ولسنا نملك إلا الانحناء تقديرًا للأجهزة المصرية الوطنية التى استشعرت الخطر فبادرت بإنشاء بعض هذه الإذاعات الجديدة والتى تمكنت فى فترة قصيرة من جذب آذان المستمع المصرى، ولا شك أن الهزة التى حدثت للإعلام المصرى الرسمى فى يناير 2011 كانت مقصودة ومدبرة بليل أسود، فبعدما استطاعت وزارة الإعلام المصرية فرض سيطرتها وريادتها على كل وسائل الإعلام فى مختلف البلدان المجاورة لأكثر من خمسين سنة جاءت الجزيرة القطرية لتقود حربًا ضروسًا استغلت فيها ظرفًا تاريخيًا مرت به مصر بتخطيط وتمويل وتدريب يهدف إلى تدمير الدولة المصرية وتحويلها إلى ساحة اقتتال بين أبناء الشعب تماما كما حدث فى ليبيا وسوريا واليمن، ولكن الجيش المصرى العظيم تنبه لهذا الخطر وأبى أن يقف صامتًا أمام هذا المخطط الشيطانى فقضى عليه فى ملحمة تكامل مع الشعب الذى خرج فى الثلاثين من يونيو 2013 رافضًا المصير الذى كنا فى الطريق إليه.
وخلال السنوات الخمس الماضية تعافت جميع أجهزة الدولة من الوعكة التى أصابتها فى 2011، ولكن بقى الجرح غائرًا فى ماسبيرو، لاسيما بعدما توقف الإنتاج الدرامى والبرامجى وصار الجميع ينتظرون تدخلًا من الرئيس لحل أزمة هذا المبنى الذى أشع نورًا وثقافة وعلمًا للشعب المصرى وللشعوب العربية طيلة نصف قرن من الزمان، وهو من أهدى الكوادر الفنية والإعلامية التى أنشأت جميع الكيانات الإعلامية الأخرى، وأول خطوات العلاج فى رأيى هو تدخل السيد الرئيس بحل مشكلة ديون بنك الاستثمار، ثم بعودة منصب وزير الإعلام، فقد كنت ومازلت من المطالبين بضرورة وجود هذا المنصب، لاسيما فى هذا الوقت الذى تمر فيه بلادنا بظروف خاصة، وقد يخرج عليك من يدعى بأن الدستور ينص على عدم وجود وزارة للإعلام ونقول له بل ينص فى المادة 211 على وجود المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وفى المادة 213 على وجود الهيئة الوطنية للإعلام، ولكن هاتين المادتين لا تمنعان وجود منصب الوزير، وليكن وزير دولة، فالفراغ الذى تركه هذا المنصب جعل بعض الأشخاص يتطلعون للقفز على صلاحيات الكرسى تحت مسميات كثيرة وبإنشاء كيانات جديدة هدفها الوحيد الحصول على ميراث هذا المنصب الذى كان مرتبطًا بماسبيرو منذ افتتاح التليفزيون فى عام 1960، وحتى يناير 2011 حين أخذ الفريق أحمد شفيق بنصيحة الإعلامى عماد الدين أديب وهو يشكل أول وزارة فى 29 يناير، حيث رفض أديب الوزارة وأفتى لشفيق بضرورة إلغاء هذا المنصب بحجة أنه ليس موجودًا فى الدول الديمقراطية، علمًا بأن الكثير من الدول الديمقراطية المتقدمة بها وزارة للإعلام مدموجة بوزارة الثقافة، وبعد أيام قليلة من نصيحة أديب لشفيق استشعر الجميع خطأ ما حدث، فوزير الإعلام هو حلقة وصل بين القيادة السياسية وبين قيادات الإعلام فى ماسبيرو، ومعظم هذه القيادات تربت على عقلية الموظف الذى يتلقى التعليمات وينفذها، وغياب وزير الإعلام أدى إلى ارتباك واضح على الشاشة المصرية، مما دفع المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى إعادة المنصب مرة أخرى واستمر الأمر فى ظل حكم الإخوان فأتوا بصلاح عبدالمقصود لينفذ مخططهم فى أخونة ماسبيرو وعقب ثورة 30 يونيه 2013 استمرت وزارة الإعلام أثناء وجود المستشار عدلى منصور كرئيس مؤقت للبلاد، لكن هذا المنصب اختفى فجأة فى ظروف غامضة ليعود إلينا الإحساس بخطر ما يحدث، فبعيدًا عن كون وزير الإعلام موجهًا لسياسة الإعلام الرسمى وفق رؤية الدولة فهو أيضًا المندوب عن كل موظفى ماسبيرو فى مجلس الوزراء، وصلاحياته تمكنه من الاتصال المباشر برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء مما يساعد على حل مشكلات المبنى وعلى سير العملية الإنتاجية داخل قطاعات اتحاد الإذاعة والتليفزيون المختلفة، كما أن صلاحياته تمتد إلى مدينة الإنتاج الإعلامى والتى تقع فيها استديوهات معظم القنوات الفضائية، وكذلك شركة القمر الصناعى «نايل سات» بما تحمله من قنوات مختلفة وبهذا فهو لديه قدرة على التنسيق والتوجيه، خاصة إذا كان يملك شخصية قوية ذات تأثير، ولهذا فهو يجب ألا يكون موظفًا أو من التكنوقراط، بل يجب أن يكون سياسيًا كالسيد صفوت الشريف أو السيد أنس الفقى، ويجب أيضًا أن يتسم بالكاريزما التى تجعل القنوات الخاصة فى انتظار بياناته وقراراته فهو المتحدث الرسمى باسم الدولة المصرية وهو المرجع لكل القطاعات فيما يذاع وما لا يذاع، فخلو هذا المنصب أدى إلى ارتباك واضح وعشوائية أداء، فليس هناك مايسترو لإدارة المنظومة الإعلامية ومن ثم فكل يعمل وفق رؤيته الخاصة وليس وفق رؤية شاملة هى رؤية الدولة المصرية وهذا لن يحدث إلا فى وجود وزير للإعلام.