الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

كل عام ونحن جميعًا كائنات خضراء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الآن يضم هذا العام جناحيه، ويتأهب للطيران، سيغادرنا دونما رجعة، ليحل محله طائر آخر يرفرف على بعد أيام منا. فكل عام ومصرنا الحبيبة بخير وأمان واطمئنان، كل عام ونحن جميعًا من الطيبين الصابرين المحبين الراضين عن أنفسنا الكارهين للفساد بكل أشكاله كل عام وكل سيدة وفتاة وصبية وطفلة قادرة على التصدى لكل ما لا ترضاه، دون أن تعير انتباهًا لمن يضعون العراقيل فى طريقها وينصحونها أن تنصاع وتصمت أو تتغافل عن حقها تحت سطوة الاستحسان أو الاستهجان الاجتماعى وما وجدنا عليه نساءنا منذ سنوات ليست ببعيدة. والواقع أنهم أنفسهم من ينبغى عليهم أن يوفروا لها عناصر النجاح والحماية لا أن يكونوا حجر عثرة فى طريقها، حجر أسطورى يتحول فجأة إلى عيون شرسة، ولسان قاس لا يتحدث إلا فى غيابها بلغات مختلفة لكنهم يتفقون جميعًا بما يشبه شفرة خاصة على رجمها بالصمت حين يرونها وعزلها فى مستعمرة خاصة بعيدًا عنهم ليعاقبوها، يستهجنوها فى محاولة لاستعادة صورتها التى تشبههم. ولذا أكتب إليكم اليوم لا بسمتى الآدمى وصفتى الشخصية وإنما بما حولوننى إليه فى كل موقف من مواقف المواجهة، أنا هو الكائن الأخضر الذى هبط من الفضاء فى كوكبهم الهانيء أقف أمامكم الآن رافعة يدى اليمنى مقسمة أن أقول الحق كل الحق ولا شىء غير الحق. أقسم أننى تساهلت كثيرًا كيلا أجرح أحدًا فجرحت. وأننى تغافلت كثيرًا فظنوا أننى هنت، وأغمضت عينى طويلًا فتوهموا أننى عميت. وفقدت صبرًا كنت أظنه لا ينفد وكنت أكتفى بغضب وقتى لا ينحو إلى القانون حتى اكتشفت أننى ببساطة محرومة حتى من الغضب الوقتي. من حقهم جميعًا أن يلطموك، إنهم يعرفون جميعًا أنهم لطموك، ولكن كيف تكون وقحًا وتتألم من أثر ذلك. ليس من حقك أن تغضب حينما تشكو من الصوت المزعج لأطفال الجيران وضربات كراتهم على السلم أو صراخهم أثناء اللعب أمام البناية أو جلوسهم مرة بعد مرة فوق سيارتك لتصرخ هى الأخرى مرة بعد مرة أثناء الليل، فتخرج أنت مرة بعد مرة لتطمئن وتستسمحهم وبلطف أن يبتعدوا ولكن نفس الأشخاص تكرر نفس الشىء فتعيد الكرة مرة بعد مرة ثم يعلو صوتك فتفاجئك العيون المندهشة. والعيون الأكثر اندهاشًا حينما تلجأ إلى المجلس المحلى لمنطقة سكنك ليوقف مهزلة الأغانى والمهرجانات التى تنطلق من التكاتك والدراجات النارية ليلًا ونهارًا دونما مراعاة لشعور نائم أو طالب منكفئ على كتابة أو شخص مريض يحتاج إلى هدوء أو أم متلهفة على سماع صوت ابنها فى غربة عبر شبكات هاتف ضعيفة لا تقوى إلا على جيوبنا وميزانيتنا. والعيون المتعجبة من اندفاعك للدفاع عن فتاة تتعرض للسخرية أو التحرش أو سيدة من الجيران يضربها زوجها واستعدادك لمرافقتها إلى قسم البوليس لتحرير محضر قد تحتاج إليه إن لم تخف (كلام الناس)، أما العيون المستنكرة فتنتظرك عادة فى الميكروباص والسوق وبعض الأماكن الخدمية الخاصة بتخليص الأوراق حينما تسأل عن زيادة السعر، كيف لا تدفع مثلنا وأنت صامت بل كيف تسأل من أساسه، وربما كنت فعلًا سأدفع لكن تحريم السؤال من أساسه هو المزعج. أما العيون المستهجنة فتلك التى قابلتنى كثيرًا فى مجال عملى حينما كنت أتطلع إلى جداول العمل فأجد الرجال يختارون أوقات ورديات عملهم مبكرًا ليخرجوا لأعمالهم الخاصة سريعًا تاركين للنساء التأخير ويحتكرون أعمالًا بعينها لأنفسهم دونما النساء بل إنهم لا يساهمون من أساسه فى حماية زميلاتهم إن تعرضن لمن يسيىء إليهن ما يسيىء إليهن ضربًا أو شتمًا على سبيل المثال ويكتفون بجملة أشياء عادية تحدث، وكأنهم فى قرارة أنفسهم يقولون طالما الأمر بعيد عن نسائى لا يهمني. أما العيون المعاقبة فتلك التى تتنكر لك، تمد خيوطًا من الاستنكار وتبنى بها جدارًا من الكلام من حولك كأنها دائرة من النار أو تصنع لك طوطما كطوطم القبيلة، ويرجموك بصمتهم أو سهام كلامهم فى غيابك، لتصلك أحاديثهم الجارحة التى لا تستطيع إثباتها فى أوراق رسمية، الكلام الذى يضغط على روحك ويضايقك فتزداد صلابة لأن الحق معك. أما عيون الغل فتلك التى تتمنى ألا تراك أمامها لما تمثله من سلطة القانون الذى تريد تنفيذه وهم يرفضون ولا يفعلون شيئًا فتطالبهم ويماطلون وتصر فيهربون وعندما تمسك بورقة وقلم لتشكو، تصير عدوًا لا سلام ولا كلام. ويلحق بهم أناس كنت تظنهم ينصرون الحق على الدوام لكن المواقف تتغير العلاقات الشخصية تفعل فعلها وهم فوق الكراسى التى يتركونها بعد فترة فارغة إلا من ذكريات الفساد. المضحك فى أمر الكائن الأخضر هو عزلته والحجة التى عليه هو التصدي، الصوت العالى والتساؤل وحمايته لمساحته الخاصة. لإنسانيته وحقوقه وبيته وعمله وأولاده وسعر أنبوبة البوتاجاز والبطاطس والاحتجاج على الفساد والفاسدين والإبلاغ عنهم. فكم منا يتصدى وكم منا يعلو صوته بعد المرة الرابعة من الأذى، وكم منا صادف مثل هؤلاء البشر فى حياته؟ بالطبع كثير منا يفعل وكثير منا يتصدى ولذا أزعم أن مجتمنا لن ينجو إلا بمثل هؤلاء.
وعلينا جميعًا أن ننظر إليهم بفخار ونمد أيادينا لنصافحهم على عتبة العام الجديد ونقول كل عام وأنتم جميعًا كائنات خضراء تخجل منها العيون.